منشورات المكتبة
- تاريخ النشر : 20-05-2024
أبو الفضل أبو القاسم بن إبراهيم البرّادي
المقدّمة :
استجابة لدعوة جمعيّة صيانة جزيرة جربة، قمت بإعداد هذه المحاضرة حول "أبي القاسم البرّادي" على هامش النّدوة الّتي عقدتها بمناسبة جلستها العامّة السّنويّة يوما 28 و29 جانفي 1994 تحت عنوان "أعلام من الجزيرة".
اخترت البرّادي لأنّه يمتاز بروح تجديديّة تأليفيّة ولاهتمام بعض الأساتذة بمؤلفاته أمثال : د. علي يحي معمّر ود. عمّار الطّالبي ود. الحبيب الجنحاني ود. سالم العدّالي والمستشرقين أمثال : لويسكي وشاخت وموتيلانسكي وكذلك رغبة منّي في إحياء التّراث الجربيّ ومساهمة في إثراء الحركة الثّقافيّة بالجزيرة.
1- كيف كانت الأوضاع في عهده ؟
أ- الوضع الطّبيعيّ أو الجغرافيّ
ب- الوضع السّياسيّ
ج- الوضع الاقتصاديّ
د- الوضع الاجتماعيّ
هـ- الوضع الثّقافيّ والعلميّ
2- من هو البرّادي ؟ مولده - نشأته - تكوينه
3- الحياة العلميّة لدى البرّادي
أ- منهجه وخصائصه
ب- تآليفه :
- الجواهر المنتقاة في إتمام ما أخلّ به كتاب الطّبقات
- رسالة تآليف الإباضيّة
- البحث الصّادق والاستكشاف عن حقائق معاني كتاب العدل والإنصاف
- رسالة الحقائق
- شفاء الحمائم في شرح بعض الدّعائم
- جواب أهل الخلاف
- الأجوبة
4- الخاتمة
بعد عرض عناصر المداخلة يسرّني أن أقدّم في البداية فكرة عن الأوضاع في عهد البرّادي:
1- كيف كانت الأوضاع في عهد البرّادي ؟
أ- الوضع الجغرافيّ :
نشأ البرّادي في ثلاث مناطق تركت أثرها في حياته هي :
- جبل دمّر
- جزيرة جربة
- جبل نفوسة
المنطقة الأولى :
جبل دمّر جزء من سلسلة الجبال الممتدّة من المحيط الأطلسي نحو المشرق عبر جنوب تونس وليبيا تحدّه منطقة غمراسن شرقا وجبال مطماطة شمالا وسهول نفزاوة غربا وفيافي الصّحراء جنوبا.
إسم دمّر أطلق على مواطن تسكنها بعض بطون بني دمّر، فنقل إسم القبيلة إلى الموضع الّذي اتّخذوه مقرّا ويؤكّد ما ذهب إليه إبن عذاري في البيان على أنّ بني دمّر من زناته أحد فروع نفزاوة أصلهم عرب وإنّما تبربروا بمجاورتهم للبربر ومخالطتهم لهم.
ومن الأسماء الّتي تطلق على جبل دمّر جبل الحوايا أمّا الإسم الإداريّ فهو بني خداش. وينفرد أبناؤه بإطلاق إسم دمّر على منطقة أثريّة شمال القرية وهي آثار لقصر قديم به معصرة عتيقة و مسجد تحت الأرض و كذلك بقايا مسجد مبنيّ على سطح الأرض ومساكن حضريّة متعدّدة تمتاز بالإشراف على كلّ المسالك والمنافذ، فوق هضاب تشرف على سهل الجفارة وينتصب فوقها غربا جبل شاهق عرف بإسم "مزلزل" يرتفع حوالي ألف متر، بقمّته قصر قديم ونفق فسيح قد يكون ممرّا تحت الأرض ومكان تعبّد واختفاء في ساعات الخطر وهو بداية سلسلة جبال متداخلة في اتّجاه الغرب والجنوب ثمّ تنحرف متّجهة نحو غمراسن وقصر الحدادّة شرقا.
المنطقة الثّانية :
عاش البرّادي في جربة : جزيرة في البحر الأبيض المتوسّط اعتبرها إبن خلدون من أعظم الجزر خطرا وأشهرها ذكرا. افتتحها رويفع بن ثابت الأنصاري سنة 47هـ.
المنطقة الثّالثة :
جبل نفوسة : هو جبل عظيم من جبال طرابلس في وسطه النّخيل.
ب- الوضع السّياسيّ :
يثبت الأستاذ علي يحيى معمّر في كتابه أنّ الفترة الّتي عاش فيها البرّادي كانت من أحرج الفترات الّتي مرّت على جبل دمّر والجنوب التّونسيّ كلّها عصبيّة ،سلطة مستبدّة وضعف في تطبيق الشّرع. عمل الحكّام على إيقاظ الفتن بين طوائف الأمّة وتوسيع شقّة الخلاف بين النّاس وتسليط الّذين لا يخشون الله ولا يتّقونه على غيرهم ومساعدتهم على العدوان ليتسنّى لهم جمع الأموال الّتي يطالبون بها بكلّ إلحاح وباستمرار.
وكان من نتائج الاضطرابات انتشار المذهب المالكيّ وتقلّص المذهب الإباضيّ تدريجيّا إذ لم يمرّ عليه قرن واحد في البلاد التّونسيّة لم توجّه إليه فيه أعنف الضّربات. كانت القوى في القرون الأولى متعادلة ولكن ما إن أقدمت الدّولة الصّنهاجيّة على تخريب قلعة بني درجين بالجريد حتّى أخذت الإباضيّة تتقلّص شيئا فشيئا ثمّ انقرضت نهائيّا إلّا في جربة وجبل نفوسة وجنوب الجزائر.
ج- الوضع الاقتصادي :
كان الوضع الاقتصاديّ في عهد البرّادي بدمّر متواضعا وبجربة وبجبل نفوسة مزدهرا، ويعود ذلك إلى الموقع الطّبيعيّ وطبيعة التّضاريس وضيق دائرة التّعامل البشريّ بدمّر وإلى قوّة الإنتاج وكثافة السّكّان وازدهار العمران وتعدّد الحاجات وتوالد الطّلبات وتنوّع المعاملات بجربة وبجبل نفوسة.
كانت الصّناعة مستمدّة من الحيوانات والنّباتات ومواد الطّبيعة الجافّة. ازدهرت صناعة الملابس الصّوفيّة والوبريّة والجلديّة كما ازدهرت صناعة المرافق الفلاحيّة والمنزليّة. يشير البرّادي إلى بعض الصّناعات الّتي افتتن بها أهل عصره مثل العمائم الزّرق والغراء الموشّاة والثّياب المذيّلة المطوّلة والخيل المسوّمة والبرانيس واسعة الأكتاف، كما ازدهرت صناعة النّقش والأواني من الأحجار والطّين والصّلصال وحفر الآبار والمساكن في باطن الأرض وعلى سطحها.
د- الوضع الاجتماعيّ :
قويت روح النّقد الاجتماعيّ : عندما استقرّ البرّادي بجربة أخذ يدرّس ويفتي ويفصل المشاكل ويقوم بالأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ويندّد بالظّالمين وبالمنحرفين. كافح الباطل باليد واللّسان خاصّة بعدما تقلّد مسؤوليّة مجلس العزّابة إثر وفاة شيخه أبي البقاء يعيش الزواغي الجربيّ سنة 750هـ.
تذمّر البرّادي من فساد الزّمان وكثرة العدوان وهيجان الفتن واستضعاف الحقّ وانتصار الباطل وانقراض العلماء وذهاب العلم ودروسه وعموم الجهل وكثرة الغدر وقلّة الطّمأنينة وارتفاع الأمانة وقلّة الثّقة.
ذكر البرّادي في كتابه "البحث الصّادق والاستكشاف عن حقائق العدل والإنصاف" حكاية عن أبي يعقوب الورجلاني أنّه في آخر عمره كانت القلاقل والمحن من بني غانية في جميع أهل الدّعوة.
كان لهذه الاضطرابات السّياسيّة والاجتماعيّة عظيم الأثر على نفسيّة البرّادي فجعلته شديد الحذر متحدّيا كلّ الكفرة والفجرة .لا يكاد البرّادي يترك أثرا من آثاره العلميّة دون أن يضمّنه إشارات إلى تدهور الأوضاع الاجتماعيّة وسعة دائرة النّضال والجهاد.
هـ - الوضع الثّقافيّ والعلميّ :
ازدهرت الحركة العلميّة والثّقافيّة في تلك الفترة واشتهرت مناطق جبل دمّر وجربة وجبل نفوسة ودرجين وبني ميزاب وكانت القوافل بين الشّرق والغرب غادية رائحة لا تخلو من حمولة كتب أو أوراق كما كانت الكتب تباع عند الورّاقين والنّسّاخين.
لم يقتصر النّشاط الثّقافيّ على المدن والقرى بل انتشر بين القبائل الضّاربة في الصّحراء.
شهدت دمّر حياة ثقافيّة تمثّلت في نشاط مراكز التّعليم الّتي تبدو من خلال النّصوص أنّها ابتدائيّة، أمّا الدّراسة الثّانويّة والعالية فهي في جربة ونفوسة، بالإضافة إلى حلقات دروس الوعظ والإرشاد في مختلف قضايا المعاملات الاجتماعية والعقائديّة. كانت الرّسائل ترد على مركز جبل دمّر من جربة ونفوسة فيها أسئلة وأجوبة حول مختلف القضايا.
أمّا جربة فقد كانت مركز إشعاع حضاريّ ولا تزال. أسهب الباحثون والمؤرّخون والرّحّالة في وصف ما كانت عليه من عمران وحياة مزدهرة في مختلف فنون الحياة.
2- من هو البرّادي ؟
هو أبو الفضل أبو القاسم إبن إبراهيم البرّادي ويضيف الشّيخ سالم بن يعقوب لنسبه : إبن سليمان إبن إبراهيم إبن أبي عمران الدّمّري نسبة إلى دمّر.
والبرّادي هو لقبه الّذي اشتهرت به أسرته الّتي ما زالت فروعها موجودة بحومة جعبيرة بجربة.
يذكر الشّمّاخي أنّ للبرّادي ثلاثة أولاد هم :
- أبو محمّد عبد الله
- أبو عبد الله محمّد الّذي خلّف أبا زكرياء
- إبراهيم خلّف أبا داود - وأبو داود خلّف سليمان - وسليمان خلّف عيسى.
لم يذكر الشّمّاخي تاريخ ميلاد البرّادي ووفاته وأشار إلى أنّ أبا محمّد البرّادي تقدّم للمناظرة أمام أبي فارس عزّوز الحفصيّ (796/838هـ) (1394/1433م) بمحضر الحسين أحد علماء الزّيتونة.
وجاء في معجم المؤلّفين لعمر رضا كحالة ج 8 باب القاف أنّ البرّادي كان حيّا حوالي 810هـ الموافق لـ1407م. ويثبت الأستاذ الصّادق بن مرزوق بمقالين بجريدة الصّباح صادرين في 06 أفريل و4 ماي 1967 بعنوان أعلام من جربة أنّ البرّادي من تلاميذ الشّيخ يعيش الجربيّ نقلا عن الشّمّاخي في سير المشائخ ص575 وأنّ أحمد بن مكّي أمير قابس توجّه بسؤال سنة 737هـ إلى الشّيخ يعيش الّذي توفّي سنة 750هـ.
ويذكر الدّكتور الحبيب الجنحاني في : حوليّات الجامعة عدد 15 لسنة 1977 أنّ البرّادي عاش في نهاية القرن الثّامن وبداية القرن التّاسع الهجريّ، بينما يذهب الدّكتورعمّار الطّالبي في كتابه آراء الخوارج الكلاميّة ج2 ص281 إلى أنّ البرّادي من أهل القرن التّاسع الهجريّ ويجعل تاريخ حجّه سنة 875هـ ويعتبره الدّكتور فرحات الجعبيري في نظام العزّابة ص268 من أهل القرن الثّامن الهجريّ - الرّابع عشر ميلاديّ - وفي آخر كتاب "شفاء الحائم" يعد البرّادي بإتمام الشّرح ويذكر سبب الانقطاع وهو اعتزامه أداء فريضة الحجّ، ويذكر تاريخه في مقدّمة مهّد بها كشف الغمّة وذكر أنّه بعث بالكتاب إلى ذويه من مكّة شرّفها الله سنة 775هـ 1373/1374م. وبذلك لا يصحّ ما ذهب إليه الدّكتور عمّار الطّالبي من أنّ حجّه كان سنة 875هـ بل كان سنة 775هـ حسبما ذكر البرّادي ولا يمكن أن يكون تلميذا للشّيخ يعيش المتوفّي سنة 750هـ وحجّه سنة 875هـ إذ يصبح عمره وقتها 125 سنة بالإضافة إلى سنوات طفولته. وبناءا على هذا يمكن اعتبار أبي الفضل أبي القاسم البرّادي مولودا في أواخر الرّبع الأوّل من القرن الثّامن هـ ووفاته بعد سنة 810هـ في الرّبع الأوّل من القرن التّاسع هـ واعتمادا على هذا يمكن تحديد أطوار حياته :
- النّشأة والتّعليم بدمّر وجربة ونفوسة من 725هـ إلى 745هـ.
- العمل والدّعوة بدمّر من 745هـ إلى 750هـ
- رئاسة مجلس العزّابة بجربة من سنة 750هـ إلى ما بعد سنة 810هـ
الطّور الأوّل : النّشأة والتّعليم
تعلّمه : نشأ البرّادي وسط مجتمع إباضيّ بدمّر وتعلّم وفقا لمناهج التّعليم عند الإباضيّة وهي ذات ثلاث مراحل :
- ابتدائيّ في الكتاتيب بجبل دمّر
- ثانويّ بالمساجد والمدارس القارّة والمتنقّلة بجربة
- عال متخصّص للتّبحّر في مختلف العلوم وخاصّة العقيدة وفروع الفقه والوقوف عند مسائل الخلاف بين المذاهب و الفقهاء وكبار المتكلّمين بجبل نفوسة.
* مركز جبل دمّر : تعلّم البرّادي الكتابة وحفظ ما تيسّر من القرآن ودرس مبادئ العقيدة والفقه عن طريق حفظ بعض المتون و ذلك وسط المساجد الأرضيّة وتحت ضلال الأشجار وأمام الغرف وتحت الخيام.
* مركز جربة : درس بمدرسة الشّيخ يعيش الزواغي الجربيّ بوادي الزّبيب الّذي كان يرأس مجلس العزّابة وتولّى بعده البرّادي رئاسته بعد وفاته في 750 هـ.
* مركز جبل نفوسة : التحق البرّادي بمدرسة أبي ساكن عامر بن علي الشّمّاخي المتوفّي سنة 792هـ 1389/1390م وبمدرسة أبي موسى عيسى الطّرميسي الّتي كان من خرّيجيها الشّيخ إسماعيل الجيطالي وعامر الشّمّاخي.
واصل البرّادي دراسته بجبل نفوسة وتنقّل من حلقة إلى حلقة ومن مركز إلى مركز يطالع كتب المشارقة والمغاربة من الموافقين والمخالفين حتّى أصبح علما من أعلام زمانه.
تأثّر البرّادي بشيوخه تأثّرا واعيا وذكر منهم الشّيخ الجربيّ الزواغي المتوفّي سنة 750هـ وصالح بن نجم المغراوي وأبا ساكن عامر بن علي الشّمّاخي المتوفّي سنة 792هـ.
الطّور الثّاني : العمل والدّعوة
سكن البرّادي دمّر واستقرّ بها يعلّم النّاس ويحكم بينهم ويربّي ناشئتهم ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وكانت دمّر خارجة عن نفوذ سلطة الحفصيّين وقد أثبت البرّادي ذلك خلال تأليف كتاب الجواهر المنتقاة عند كلامه عن حكم صلاة جمعة الإمام الجائر، هل تجوز أو لا تجوز؟ فقال : أمّا نحن أهل الجبل فلا سلطان جائر ولا عادل ولا أمير قاسط ولا مقسّط.
كانت تأتيه الرّسائل من جربة ومن غيرها تحتوي على أسئلة علميّة في شتّى الفنون أكثرها في الفقه، منها رسالة حول الوصيّة والعطيّة ورسالة من الشّيخ أبي عبد الله محمّد بن محمّد الصّدغياني الجربيّ يستفتي الشّيخ البرّادي في مسائل عمليّة وعقائديّة. كما وردت رسالة حول الصّدقة وأجاب عنها بما فيه الكفاية.
يمكن إذن اعتبار البرّادي أوّل من ألّف في الحقائق العلميّة المجرّدة من بين علماء الإباضيّة وأوّل من أحصى تآليف أهل مذهبه مشرقا ومغربا.
الطّور الثّالث : رئاسة مجلس العزّابة بجربة :
تحوّل أبو الفضل البرّادي من دمّر إلى جزيرة جربة واستقرّ بمسجد وادي الزّبيب جامع ولحي حاليّا. ولمّا توفّى الشّيخ أبو البقاء يعيش الزواغي تولّى البرّادي رئاسة مجلس العزّابة سنة 750هـ.
اتّخذ البرّادي من الجزيرة مقرّا ومنطلقا لدعوته الإصلاحيّة وميدانا لكفاحه في سبيل الله. انتصب للتّدريس فكان له مجلس عظيم يجمع أكابر العلماء عند الشّيخ سعيد بن علي يامون بمنطقة غيزن للنّظر والتّشاور في كلّ الشّؤون على اختلافها.
كان البرّادي ينتقل بكثرة بين مختلف أحياء جربة للاتّصال بالنّاس في قراهم لفضّ مشاكلهم ودراسة أحوالهم واشتهر اسمه بين النّاس وعرف بسداد الرّأي وصار محلّ إعجاب وتقدير العامّ والخاصّ وتنوقلت أقواله بين المجالس العائليّة وحلقات المساجد . دلّت على ذلك وفرة ما كان يرد عليه من رسائل وهو بجبل دمّر بالإضافة إلى معرفة عقيدته كاملة في أهمّ القضايا الحسّاسة ممّا أهّله إلى أحقيّته في تولّي رئاسة مجلس العزّابة بجزيرة جربة بعد وفاة شيخه.
تلاميذه : ورد في سير الشّمّاخي الطّبعة الحجريّة ص 16 أنّ تلاميذه هم: أبو عثمان سعيد بن أحمد السّدويكشي وأبو زكرياء يحيى بن أفلح الجربيّ وولداه : أبو محمّد عبد الله الّذي ترأّس مجلس العزّابة بعد والده وأبو عبد الله محمّد الّذي استقرّ بجبل دمّر بعد انتقال والده إلى جربة.
وفاته :
لم نعثر على تاريخ وفاة أبي الفضل البرّادي والرّاجح أنّه توفّي فيما بين سنة 810 هـ - 820هـ.
3- الحياة العلميّة لدى البرّادي :
أ- منهجه وخصائصه :
كان منهج البرّادي ذا طابع تأليفيّ متفتّح وذا مميّزات يمكن تصنيفها إلى عامّة تشترك فيها كل تآليفه و خاصّة انفرد بها كلّ أثر على الأثر الآخر وقد بدا في جميعها مقوّما للكثير من المفاهيم المنحرفة وذلك بدعم الإباضيّة لاستمرارها كمذهب إسلاميّ قادرعلى تبليغ تعاليم الإسلام وتطبيقها في شتّى مجالات الحياة.
نلاحظ من خلال مؤلّفاته أنّ له خصائص عامّة تكوّن منهجه في البحث تتمثّل في :
- الاستقصاء والإمعان في التّدقيق ببسط آرائه مع المقارنة بين النّسخ.
- النّقل اللّفظيّ والمعنويّ مع ذكر المصدر وإيراد الأسانيد.
- الإحالة على المصادر.
- النّقد.
- التّأثّر بالمعتزلة.
للبرّادي جملة من الصّفات واضحة من خلال آثاره العلميّة منها التّواضع والصّراحة والجرأة والزّهد والنّزاهة والاعتدال.
ب- تآليفه :
للبرّادي مؤلّفات عديدة مطبوعة ومخطوطة منها :
- الجواهر المنتقاة فيما أخلّ به كتاب الطّبقات :
توجد بالمكتبة البارونيّة بجربة نسخة حجريّة طبعت سنة 1302هـ بالقاهرة ونسختان خطّيّتان. أمّا سبب كتابة الجواهر المنتقاة فيعود إلى ما حمله البرّادي في نفسه من عزم على التأليف لتلبية حاجة المجتمع الإباضيّ وخاصّة طبقات الطّلبة والعلماء الّذين كثيرا ما يتعرّضون إلى الأحداث التّاريخيّة الكبرى وبالأخصّ الفتنة الكبرى موضع الخلاف ومصدر الافتراق ومنشأ المذهب ويعود كذلك إلى المكانة المرموقة لكتاب الطّبقات بين الأوساط العلميّة.
سعى البرّادي في الحصول على نسخة من الجواهر المنتقاة فلمّا تصفّحها وجد أنّ المؤلّف قد أهمل ذكر الصّدر الأوّل ورأى أن الكتاب يحتاج إلى تصدير فجمع في ذلك آثار الإباضيّة من نصوص أطلق عليها إسم الجواهر المنتقاة في إتمام ما أخلّ به كتاب الطّبقات.
وفي تعليق للشّيخين سالم بن يعقوب وقاسم قوجة حول رسالة العدّالي بتاريخ 25/10/1983 ورد ما يلي :
ذكر الدّكتور سالم العدّالي في كتابه البرّادي حياته وآثاره ص81 أن الشّيخ أخذ نصّا من مقدّمة طبقات الدّرجيني حول الحمد وشرحه، فرأى أنّ الحمد هو الثّناء وهو قسمان : مطلق ومقيّد، فالمطلق فرض والمقيّد واجب... إلى آخر ما أورد حول هذه اللّفظة ثم علّق أنّ هذا بكتاب طبقات المشائخ بالمغرب ج1.
كما ذكر الدّكتور العدّالي في نفس الكتاب ص81 أنّ البرّادي حلّل فقرة حول فضل العلم تفيد أنّ العلم يقود إلى السّعادة الأبديّة... إلى أن قال : وإنّ للعلماء المرتبة الثّانية في الشّفاعة بعد الأنبياء. إنّ الّذي نعلمه عند الإباضيّة أن لا شفاعة لأحد، نبيّا كان أو عالما إلّا بعمله الصّالح الّذي هو عربون نجاته. أمّا من مات على كبيرة دون توبة فلا يجد شفيعا ولا نصيرا. هذا مبدأ الإباضيّة من الآيات الكريمة منها قوله تعالى : "ولا يشفعون إلّا لمن ارتضى" (الآية 28 سورة الأنبياء).
يحتوي كتاب الجواهر كذلك على سبب تأليفه :
يبدو أن البرّادي حرّر كتاب الجواهر بجبل دمّر. يدلّ على ذلك قوله (بالصّفحات 34-35-36) : أمّا نحن أهل الجبل فقد خفّف الله فيها علينا (يعني صلاة الجمعة) إذ لا سلطان جائر ولا عادل ولا أمير قاسط ولا مقسط.
وتظهر قيمة الكتاب في جملة المسائل الّتي تضمّنها :
- خلافة عثمان بن عفّان سياسيّا واقتصاديّا واجتماعيّا.
- خلافة علي بن أبي طالب وإبنه الحسن وأحداث الفتنة وأطوارها.
- أهل النّخيلة ونشأة الخوارج والإباضيّة.
- الطّبقة الأولى من طبقات الإباضيّة.
- صورة من صور السّياسة القضائيّة في عهد الدّولة الرّستميّة.
- رسالة إبن أباض إلى عبد الملك بن مروان.
-رسالة الإمام محمّد بن أفلح حول خلق القرآن ولمع من سيرة الحلقة.
بيّن البرّادي أنّ بعض العزّابة ذكر له سبب تأليف أبي العباس هذا الكتاب : "لمّا وصل الحاج عيسى بن زكرياء من بلاد عمان بما معه من كتب مثل الحلّ لابن واصف وجامع الشّيخ أبي الحسن وجامع أبي جعفر وغيره، أعرب عن رغبة الإباضيّة بعمان في تأليف كتاب يتضمّن سيرأوائل الإباضيّة ومناقب الأسلاف من أهل المغرب ...
استشار البرّادي بجربة يومئذ العزّابة والفقهاء فنظروا في كتاب الشّيخ أبي زكرياء يحيى بن أبي بكر فوجدوه مخلاّ ببعض التّفاصيل قاصرا دون أمد التّحصيل فلم يروا أهلا لهذا التّصنيف غير أبي العبّاس."
- رسالة تأليف الإباضيّة : أو تعداد أسماء الكتب
يعود سبب كتابة هذه الرّسالة الّتي حرّرها بعد أداء فريضة الحجّ إلى طلب أهل عمان من البرّادي أسماء التآليف الّتي كتبها أهل الدّعوة، فحاول أن يستقصي غاية الاستقصاء وأن يبيّن وقوفه أو عدم وقوفه على تلك الكتب وهذا ما دعاه إلى أن يطيل في الرّسالة.
لم يذكر أبو العبّاس الشّمّاخي في كتاب السّيرهذه الرّسالة ضمن مؤلّفات البرّادي لأنّها ألحقت بكتاب الجواهر المنتقاة ولم يذكرها البرّادي ضمن قائمة محتوى الجواهر وتبدأ في صفحة 218 من نصف السّطر الرّابع عشر تحت عنوان : "ذكر ما وقفت عليه وسمعت به من تآليف أصحابنا، ويبدأ بذكر تآليف أهل المشرق وعددها أربعة وعشرون كتابا."
محتوى الرّسالة :
مقدّمة : تضمّنت استعداد البرّادي للإجابة عن طلب أهل عمان.
فيها ثلاثة أجزاء :
* الجزء الأوّل : يحتوي على تآليف أهل المشرق وعددها 32 كتابا مجملها في التّاريخ والحديث والفقه والأصول.
* الجزء الثّاني : تآليف أهل الجبل وعددها 12 كتابا
* الجزء الثّالث : تآليف أهل المغرب وعددها 41 كتابا.
- ما كتب بالصّفحة الأولى : "بسم الله الرّحمان الرّحيم وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله وصحبه وسلّم تسليما. هذه رسالة فيها تقييد كتب أصحابنا ممّا ألّفه الشّيخ الفاضل أبو القاسم بن إبراهيم البرّادي رحمه الله تعالى ورضي عنه".
- ما كتب بالصّفحة الأخيرة : " فهذا ما سمعت به أو وقفت عليه من تآليف أصحابنا. انتهى على يد كاتبه علي بن موسى الباروني من خطّ عمّنا الشّيخ عبد الله الجادوي رحمه الله تعالى وذكر الشّيخ المذكور أنّه من نسخة منسوخة من خطّ المؤلّف بذكر النّاسخ وذكر أنّه فيه كلمات ممترشة تركها بياضا وأصلحها بعد من تقييد آخر ذكر أنّه من خطّ الشّيخ أمغار بن صابر الصّدغياني والسّلام - وصلّى الله على سيّدنا محمّد".
* ذكر الأستاذ الصّادق بن مرزوق بمقال بجريدة الصّباح بتاريخ 4 جوان 1967 تحت عنوان "أعلام من جربة" أنّ هناك بعض الفصول ألحقت بكتاب الجواهر المنتقاة يبدو أنّها لم تكن من أصل الكتاب وإنّما أضافها من تولّى نشره فجاءت كذيل له وهي قائمة فيها أسماء كتب الإباضيّة.
* أمّا المستشرق "موتيلانسكي" فيعدّها تأليفا مستقلاّ، وترجمها معتمدا على نسخة خطّيّة يعود تاريخها إلى سنة 1188هـ 1774م ونشر هذه التّرجمة سنة 1815م.
* قام بتحقيقها الدّكتور عمّار الطّالبي.
اعتمد فيها على نسختين، نسخة الجواهر المنتقاة ونسخة كتاب أفعال العباد، مخطوط بمكتبة مصر، ويذكر أنّ البرّادي كتبها مرّتين، مرّة مختصرة، ومرّة مطوّلة و ذلك استجابة لطلب أهل عمان.
توجد رسالة خطّيّة للبرّادي بالمكتبة البارونيّة بجربة ضمن مجموعة تحت عنوان : "أفعال العباد" تقع في سبع صفحات ونصف من الحجم الصّغير، مقاس 21 x 16 بها1 76 سطرا بمعدّل 24 سطرا في الصّفحة الواحدة مسجّلة تحت عدد 2/130.
ج- البحث الصّادق والاستكشاف عن حقائق معاني كتاب العدل والإنصاف :
توجد بالمكتبة البارونيّة نسختان مخطوطتان قديمتان ترجعان إلى 1275هـ : ورقها ممترش الأطراف، كتابتها جميلة، تقع في 280 و295 صفحة قياسها (20.5 x 15.5 و24 x 17)، معدّل السّطور بالصّفحة 21 و24.
حرّر البرّادي هذه الرّسالة قبل أداء فريضة الحجّ و قسّم المتن إلى أربعة وتسعين مقطعا.
يكتب فصلا ثمّ يتبعه بنصّ المتن بحروف أكبر حجما ويكون مغايرا، غالبا أحمر، وعلى بعض الطّرر تهميشات وتعاليق لعبد الله الصّدويكشي.
- أمّا كتاب العدل والإنصاف فهو لأبي يعقوب يوسف بن إبراهيم السّدراتي الوارجلاني من أهل وارجلان واد بأرض المغرب، ذكر الدّرجيني أنّه في ثمانية أجزاء أمّا الشّمّاخي فذكر أنّ الكتاب في ثلاثة أو أربعة أجزاء ونسب إليه كتاب الدّليل والبرهان وجواباته ورسائله وكتاب التّرتيب في الصّحيح رواية الرّبيع بن حبيب وهو المسند .
- محتوى كتاب البحث الصّادق :
يحتوي الجزء الأوّل على مقدّمة وتسعة أبواب منها : العلم واستعمال الإثنتي عشريّة وباب أقسام العلوم، القول في الرّوح والعقل، باب في الأفعال، باب في الكلام.
اعتمد البرّادي في شرح متن العدل والإنصاف على 34 مرجعا منها : كتاب إحياء علوم الدّين للغزالي (450هـ-505هـ/1059-1111م) وكتاب الموجز لأبي عمّار عبد الكافي الإباضيّ وكتاب طبقات المشايخ لأبي العبّاس الدّرجيني وكتاب الدّليل البرهان لأبي يعقوب الوارجلاني.
كما استشهد البرّادي بمجموعة من الأشعار بلغت 61 بيتا و44 شاهدا يتركّب من بيت إلى بيتين وقد يصل إلى خمسة أبيات.
- رسالة الحقائق :
رسالة الحقائق وحدود العلوم الشّرعيّة والاعتقادات.
طبعت طبعة حجريّة بمطبعة الباروني بالقاهرة سنة 1316هـ وتوجد منسوخة عند الشّيخ سالم بن يعقوب بغيزن جربة (20/3/1904 - 26/01/1991). وقد حقّقها الدّكتور سالم العدّالي في 26 جمادى الثّاني 1404هـ الموافق لـ29 مارس 1984. يطلق عليها البرّادي إسم "أطروفة المفيد" وقد أشار إليها في كتاب البحث الصّادق والاستكشاف ص122 و259.
- ذكر الشّمّاخي في كتاب السّير: طبعة حجريّة ص576 بالمكتبة البارونيّة سبب كتابتها وهو إجابة البرّادي عن سؤال حول الحدود الشّرعيّة، توجّه به إليه الشّيخ أبو عبد الله محمّد بن أحمد الجربيّ الصّدغياني ضمن رسالة وجّهها من جربة إلى أبي الفضل البرّادي بجبل دمّر فأجاب عن حدود بعض العلم وحقائقه. ولمّا وصلت أطروفة المفيد هذا الشّيخ أنشد قصيدة يمدح فيها البرّادي ويشيد بالرّسالة لأنّ البرّادي أظهر فيها علمه وبيّن درجته.
- يظهر أنّ تأليف هذه الرّسالة كان بعد الجواهر بجبل دمّر ويلاحظ أنّ بين النّسخة الحجريّة ونسخة الشّيخ سالم بن يعقوب خلافا في وجود بعض الحقائق في هذه غير موجودة في الأخرى والعكس.
تتكوّن الرّسالة من :
- مقدّمة النّاسخ بيّن فيها سبب التّأليف.
- تمهيد البرّادي تعرّض فيه للوضع السّياسيّ والاجتماعيّ في عهده.
- بيان القوى النّفسيّة الثّلاث : الخياليّة والدنيئة والغضبية، ويقف عند حالتي الرّغبة والرّهبة عند الإنسان.
- عرض جملة الحقائق المتعلّقة بمختلف العلوم الشّرعيّة والاعتقادات.
- الخاتمة : حول ما أسماه البرّادي بالأقاليم السّبعة.
يرمز بالأقاليم إلى جملة من الكتب والتّآليف الإباضيّة مثل تفسير هود بن محكّم الهوّاري.
والأقاليم السّبعة هي :
- علم الكلام
- علم الفقه
- علم النّحو
- علم اللّغة
- علم أصول الفقه
- علم الحديث
-علم التّفسير
أمّا الحقائق فقد ذكر البرّادي 92 حقيقة منها على سبيل الذّكر :
الحقيقة 1 - حقيقة النّظر
الحقيقة 2 - حقيقة العلم
الحقيقة 3 - حقيقة العقل
الحقيقة 51 - حقيقة الكفر
الحقيقة 63 - حقيقة الرّجاء
الحقيقة 68 - حقيقة التّوبة
الحقيقة 75 - حقيقة الشّكر
الحقيقة 92 - حقيقة النّسخ
ملاحظة : ورد ذكر شيء من الحقائق ممّا جمعه الشّيخ البرّادي في نهاية كتاب شرح الدّعائم (يوجد بالمكتبة البارونيّة بجربة).
- شفاء الحائم في شرح بعض الدّعائم :
مخطوطة قديمة تمترشت أطراف أوراقها ولا تزال كتابتها واضحة، ضخمة العناوين، كتبت مقاطع المتن بحبر أحمر، تقع النّسخة في 304 صفحة من الحجم الصّغير، قياسها 21.5 x 15.5 و معدّل السّطور بالصّفحة 20 سطرا.
توجد النّسخة الخطّيّة بالمكتبة البارونيّة بجربة.
ينسب البرّادي كتاب الدّعائم لأبي بكر أحمد بن النّظر العماني.
سمّيت بالدّعائم حسب إبن وصاف لكونها دعائم العلم والدّين. أقدم البرّادي على شرح دعائم إبن النّظر العماني فشرح منها خمس قصائد فقط ويذكر أنّ نيّة السّفر إلى الحجّ حالت دون إتمام شرحه.
المحتوى : خمس دعائم :
- الدّعامة الأولى : منظومة في التّوحيد.
- الدّعامة الثّانية : منظومة في الحجّة على معرفة الخالق من المخلوق.
- الدّعامة الثّالثة : منظومة في خلق الأفعال والرّد على القدريّة.
- الدّعامة الرّابعة : منظومة في الرّدّ على من يقول بخلق القرآن.
- الدّعامة الخامسة : منظومة في الطّهارات وغسل النّجاسات.
* يمتاز أسلوب البرّادي بالتّراكيب السّهلة والمفردات الواضحة تحقّق غرضه من عمليّة الشّرح في رفادة الطّلبة ويتمثّل ذلك في إثراء زاده اللّغويّ بما وفّره من شواهد اللّفظ والمعنى والفوائد العلميّة.
اعتمد البرّادي في شرح الدّعائم على عدّة مراجع منها :
- كتاب الحلّ لإبن وصاف.
- كتاب صفة الذّاهب.
- تفسير أبي الحسن علي بن رضوان الهروي
- تفسير الماوردي
- تفسير النّقّاش
- كتاب جوهر القرآن ودرره لأبي حامد الغزالي
- كتاب شرح الجهلات
- كتاب السّؤالات
- المسند لأبي الرّبيع بن حبيب
- جواب أهل الخلاف :
هو ردّ على من هاجم مذهب الإباضيّة.
ذكر المستشرق البولوني "ويكي" نقلا عن المستشرق "شاخت" أنّه توجد منه نسخة خطّيّة في بني "يزقن" إحدى قرى وادي ميزاب بجنوب الجزائر، مسقط رأس الشّاعر مفدي زكرياء.
للكتاب أهمّيّة لأنّه متضمّن لعدّة مسائل خلافيّة بين الإباضيّة وغيرها من الفرق. نتمنّى أن يتمّ تحقيقه قبل أن يندثر لأنّه غير موجود بجربة إلى حدّ علمنا.
- الأجوبة :
ترك أبو الفضل البرّادي جملة من الأجوبة والفتاوى و ذكر الدّكتور علي يحيى معمّر المؤرّخ اللّيبيّ أنّها تدلّ على أنّ الرّجل بلغ من العلم درجة تجاوزت مرتبة التّقليد إلى الاجتهاد وأثبتت قدرته على الاستقلال بالرّأي في الفتوى.
وهي مجموعة أجوبة عن جملة من الأسئلة توجه بها إليه عدد من أصحابه في المذهب منهم : محمّد بن فارس، الشّيخ محمّد بن علي بن محمّد المنذري ، الشّيخ زكرياء بن سليمان والشّيخ أبو محمّد عبد الله بن يوسف الزّاديني وجواب هذا الأخير يوجد بالمكتبة البارونيّة في صفحتين.
الجواب الأوّل : حول الإقرار والعطيّة والصّدقة
الجواب الثّاني : حول الوصيّة وبعض أحكامها وصورها.
الجواب الثّالث : رأي البرّادي في مال الأوقاف.
4- الخاتمة :
من خلال عرض الأوضاع الطّبيعيّة والسّياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والثّقافيّة بمنطقة جبل دمّر منذ انتشار الإباضيّة بشمال إفريقيا إلى عهد البرّادي خلال القرن الثّامن الهجريّ، يمكن تحديد الإطار العامّ لحياة البرّادي وأطوارها وما لذلك من أثر بالغ على آثاره العلميّة.
ذكر الدّكتور سالم العدّالي في كتابه : " فأبو الفضل البرّادي يمثّل مظهر التّفاعل بين إباضيّة المشرق وإباضيّة المغرب ويعدّ مظهر اعتدال ونضج بين علماء الإباضيّة ومفكّريها كما يعتبر تفاعلا بين الإباضيّة والمالكيّة وتحوّلا فكريّا ذا طابع تأليفيّ بين مفكريّ عصره، بالإضافة إلى معرفة الأصول الإباضيّة وقواعد التّفكير المذهبيّ عند هذه الفرقة.
ومن النّتائج الّتي يمكن إثباتها الطّابع العقليّ اّلذي امتاز به البرّادي من خلال آثاره العلميّة وأحكامه وآرائه الّتي أقرّها وحرص على تطبيقها وترسيخها في الأذهان خاصّة لدى الطّلبة الّذين يدرسون عليه.
ومن الأسباب الّتي دعت البرّادي إلى تحرير رسالة الحقائق يفهم ما كان شائعا بين الأوساط من صراعات بين جملة من المفاهيم تتفاوت قربا وبعدا من الحقّ الّذي ينبغي أن تكون عليه أو تستجيب لشتّى الأغراض الّتي تناط بها وتدعو إلى تحقيقها سواء كان ذلك في فنّ الأصول أو الكلام أو الزّهد أو الفقه.
وقد أثّر البرّادي في مجتمعه تأثيرا بالغا جعل تلاميذه من بعده يواصلون أعماله العلميّة والاجتماعيّة أمثال عبد الله الصّدويكشي الّذي حرص على تعقّب آثار شيخه بالجمع والإصلاح والتّعليق والبيان خاصّة كتاب البحث الصّادق والاستكشاف.
هذه عيّنة من أصول الفكر الإباضيّ مستوحاة من حياة وآثار عالم من علمائها، أرجو أن أكون قد ساهمت في إحياء تراث ثمين مهدّد بالاندثار تزخر به هذه الجزيرة.
لا يسعني في الختام إلّا أن أتوجّه بالشّكر إلى جمعيّة صيانة جزيرة جربة على تنظيم مثل هذه النّدوات والّلقاءات لإحياء التّراث وصيانته.
والله الموفّق لما فيه الخير.
سعيد بن يوسف الباروني
استجابة لدعوة جمعيّة صيانة جزيرة جربة، قمت بإعداد هذه المحاضرة حول "أبي القاسم البرّادي" على هامش النّدوة الّتي عقدتها بمناسبة جلستها العامّة السّنويّة يوما 28 و29 جانفي 1994 تحت عنوان "أعلام من الجزيرة".
اخترت البرّادي لأنّه يمتاز بروح تجديديّة تأليفيّة ولاهتمام بعض الأساتذة بمؤلفاته أمثال : د. علي يحي معمّر ود. عمّار الطّالبي ود. الحبيب الجنحاني ود. سالم العدّالي والمستشرقين أمثال : لويسكي وشاخت وموتيلانسكي وكذلك رغبة منّي في إحياء التّراث الجربيّ ومساهمة في إثراء الحركة الثّقافيّة بالجزيرة.
1- كيف كانت الأوضاع في عهده ؟
أ- الوضع الطّبيعيّ أو الجغرافيّ
ب- الوضع السّياسيّ
ج- الوضع الاقتصاديّ
د- الوضع الاجتماعيّ
هـ- الوضع الثّقافيّ والعلميّ
2- من هو البرّادي ؟ مولده - نشأته - تكوينه
3- الحياة العلميّة لدى البرّادي
أ- منهجه وخصائصه
ب- تآليفه :
- الجواهر المنتقاة في إتمام ما أخلّ به كتاب الطّبقات
- رسالة تآليف الإباضيّة
- البحث الصّادق والاستكشاف عن حقائق معاني كتاب العدل والإنصاف
- رسالة الحقائق
- شفاء الحمائم في شرح بعض الدّعائم
- جواب أهل الخلاف
- الأجوبة
4- الخاتمة
بعد عرض عناصر المداخلة يسرّني أن أقدّم في البداية فكرة عن الأوضاع في عهد البرّادي:
1- كيف كانت الأوضاع في عهد البرّادي ؟
أ- الوضع الجغرافيّ :
نشأ البرّادي في ثلاث مناطق تركت أثرها في حياته هي :
- جبل دمّر
- جزيرة جربة
- جبل نفوسة
المنطقة الأولى :
جبل دمّر جزء من سلسلة الجبال الممتدّة من المحيط الأطلسي نحو المشرق عبر جنوب تونس وليبيا تحدّه منطقة غمراسن شرقا وجبال مطماطة شمالا وسهول نفزاوة غربا وفيافي الصّحراء جنوبا.
إسم دمّر أطلق على مواطن تسكنها بعض بطون بني دمّر، فنقل إسم القبيلة إلى الموضع الّذي اتّخذوه مقرّا ويؤكّد ما ذهب إليه إبن عذاري في البيان على أنّ بني دمّر من زناته أحد فروع نفزاوة أصلهم عرب وإنّما تبربروا بمجاورتهم للبربر ومخالطتهم لهم.
ومن الأسماء الّتي تطلق على جبل دمّر جبل الحوايا أمّا الإسم الإداريّ فهو بني خداش. وينفرد أبناؤه بإطلاق إسم دمّر على منطقة أثريّة شمال القرية وهي آثار لقصر قديم به معصرة عتيقة و مسجد تحت الأرض و كذلك بقايا مسجد مبنيّ على سطح الأرض ومساكن حضريّة متعدّدة تمتاز بالإشراف على كلّ المسالك والمنافذ، فوق هضاب تشرف على سهل الجفارة وينتصب فوقها غربا جبل شاهق عرف بإسم "مزلزل" يرتفع حوالي ألف متر، بقمّته قصر قديم ونفق فسيح قد يكون ممرّا تحت الأرض ومكان تعبّد واختفاء في ساعات الخطر وهو بداية سلسلة جبال متداخلة في اتّجاه الغرب والجنوب ثمّ تنحرف متّجهة نحو غمراسن وقصر الحدادّة شرقا.
المنطقة الثّانية :
عاش البرّادي في جربة : جزيرة في البحر الأبيض المتوسّط اعتبرها إبن خلدون من أعظم الجزر خطرا وأشهرها ذكرا. افتتحها رويفع بن ثابت الأنصاري سنة 47هـ.
المنطقة الثّالثة :
جبل نفوسة : هو جبل عظيم من جبال طرابلس في وسطه النّخيل.
ب- الوضع السّياسيّ :
يثبت الأستاذ علي يحيى معمّر في كتابه أنّ الفترة الّتي عاش فيها البرّادي كانت من أحرج الفترات الّتي مرّت على جبل دمّر والجنوب التّونسيّ كلّها عصبيّة ،سلطة مستبدّة وضعف في تطبيق الشّرع. عمل الحكّام على إيقاظ الفتن بين طوائف الأمّة وتوسيع شقّة الخلاف بين النّاس وتسليط الّذين لا يخشون الله ولا يتّقونه على غيرهم ومساعدتهم على العدوان ليتسنّى لهم جمع الأموال الّتي يطالبون بها بكلّ إلحاح وباستمرار.
وكان من نتائج الاضطرابات انتشار المذهب المالكيّ وتقلّص المذهب الإباضيّ تدريجيّا إذ لم يمرّ عليه قرن واحد في البلاد التّونسيّة لم توجّه إليه فيه أعنف الضّربات. كانت القوى في القرون الأولى متعادلة ولكن ما إن أقدمت الدّولة الصّنهاجيّة على تخريب قلعة بني درجين بالجريد حتّى أخذت الإباضيّة تتقلّص شيئا فشيئا ثمّ انقرضت نهائيّا إلّا في جربة وجبل نفوسة وجنوب الجزائر.
ج- الوضع الاقتصادي :
كان الوضع الاقتصاديّ في عهد البرّادي بدمّر متواضعا وبجربة وبجبل نفوسة مزدهرا، ويعود ذلك إلى الموقع الطّبيعيّ وطبيعة التّضاريس وضيق دائرة التّعامل البشريّ بدمّر وإلى قوّة الإنتاج وكثافة السّكّان وازدهار العمران وتعدّد الحاجات وتوالد الطّلبات وتنوّع المعاملات بجربة وبجبل نفوسة.
كانت الصّناعة مستمدّة من الحيوانات والنّباتات ومواد الطّبيعة الجافّة. ازدهرت صناعة الملابس الصّوفيّة والوبريّة والجلديّة كما ازدهرت صناعة المرافق الفلاحيّة والمنزليّة. يشير البرّادي إلى بعض الصّناعات الّتي افتتن بها أهل عصره مثل العمائم الزّرق والغراء الموشّاة والثّياب المذيّلة المطوّلة والخيل المسوّمة والبرانيس واسعة الأكتاف، كما ازدهرت صناعة النّقش والأواني من الأحجار والطّين والصّلصال وحفر الآبار والمساكن في باطن الأرض وعلى سطحها.
د- الوضع الاجتماعيّ :
قويت روح النّقد الاجتماعيّ : عندما استقرّ البرّادي بجربة أخذ يدرّس ويفتي ويفصل المشاكل ويقوم بالأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ويندّد بالظّالمين وبالمنحرفين. كافح الباطل باليد واللّسان خاصّة بعدما تقلّد مسؤوليّة مجلس العزّابة إثر وفاة شيخه أبي البقاء يعيش الزواغي الجربيّ سنة 750هـ.
تذمّر البرّادي من فساد الزّمان وكثرة العدوان وهيجان الفتن واستضعاف الحقّ وانتصار الباطل وانقراض العلماء وذهاب العلم ودروسه وعموم الجهل وكثرة الغدر وقلّة الطّمأنينة وارتفاع الأمانة وقلّة الثّقة.
ذكر البرّادي في كتابه "البحث الصّادق والاستكشاف عن حقائق العدل والإنصاف" حكاية عن أبي يعقوب الورجلاني أنّه في آخر عمره كانت القلاقل والمحن من بني غانية في جميع أهل الدّعوة.
كان لهذه الاضطرابات السّياسيّة والاجتماعيّة عظيم الأثر على نفسيّة البرّادي فجعلته شديد الحذر متحدّيا كلّ الكفرة والفجرة .لا يكاد البرّادي يترك أثرا من آثاره العلميّة دون أن يضمّنه إشارات إلى تدهور الأوضاع الاجتماعيّة وسعة دائرة النّضال والجهاد.
هـ - الوضع الثّقافيّ والعلميّ :
ازدهرت الحركة العلميّة والثّقافيّة في تلك الفترة واشتهرت مناطق جبل دمّر وجربة وجبل نفوسة ودرجين وبني ميزاب وكانت القوافل بين الشّرق والغرب غادية رائحة لا تخلو من حمولة كتب أو أوراق كما كانت الكتب تباع عند الورّاقين والنّسّاخين.
لم يقتصر النّشاط الثّقافيّ على المدن والقرى بل انتشر بين القبائل الضّاربة في الصّحراء.
شهدت دمّر حياة ثقافيّة تمثّلت في نشاط مراكز التّعليم الّتي تبدو من خلال النّصوص أنّها ابتدائيّة، أمّا الدّراسة الثّانويّة والعالية فهي في جربة ونفوسة، بالإضافة إلى حلقات دروس الوعظ والإرشاد في مختلف قضايا المعاملات الاجتماعية والعقائديّة. كانت الرّسائل ترد على مركز جبل دمّر من جربة ونفوسة فيها أسئلة وأجوبة حول مختلف القضايا.
أمّا جربة فقد كانت مركز إشعاع حضاريّ ولا تزال. أسهب الباحثون والمؤرّخون والرّحّالة في وصف ما كانت عليه من عمران وحياة مزدهرة في مختلف فنون الحياة.
2- من هو البرّادي ؟
هو أبو الفضل أبو القاسم إبن إبراهيم البرّادي ويضيف الشّيخ سالم بن يعقوب لنسبه : إبن سليمان إبن إبراهيم إبن أبي عمران الدّمّري نسبة إلى دمّر.
والبرّادي هو لقبه الّذي اشتهرت به أسرته الّتي ما زالت فروعها موجودة بحومة جعبيرة بجربة.
يذكر الشّمّاخي أنّ للبرّادي ثلاثة أولاد هم :
- أبو محمّد عبد الله
- أبو عبد الله محمّد الّذي خلّف أبا زكرياء
- إبراهيم خلّف أبا داود - وأبو داود خلّف سليمان - وسليمان خلّف عيسى.
لم يذكر الشّمّاخي تاريخ ميلاد البرّادي ووفاته وأشار إلى أنّ أبا محمّد البرّادي تقدّم للمناظرة أمام أبي فارس عزّوز الحفصيّ (796/838هـ) (1394/1433م) بمحضر الحسين أحد علماء الزّيتونة.
وجاء في معجم المؤلّفين لعمر رضا كحالة ج 8 باب القاف أنّ البرّادي كان حيّا حوالي 810هـ الموافق لـ1407م. ويثبت الأستاذ الصّادق بن مرزوق بمقالين بجريدة الصّباح صادرين في 06 أفريل و4 ماي 1967 بعنوان أعلام من جربة أنّ البرّادي من تلاميذ الشّيخ يعيش الجربيّ نقلا عن الشّمّاخي في سير المشائخ ص575 وأنّ أحمد بن مكّي أمير قابس توجّه بسؤال سنة 737هـ إلى الشّيخ يعيش الّذي توفّي سنة 750هـ.
ويذكر الدّكتور الحبيب الجنحاني في : حوليّات الجامعة عدد 15 لسنة 1977 أنّ البرّادي عاش في نهاية القرن الثّامن وبداية القرن التّاسع الهجريّ، بينما يذهب الدّكتورعمّار الطّالبي في كتابه آراء الخوارج الكلاميّة ج2 ص281 إلى أنّ البرّادي من أهل القرن التّاسع الهجريّ ويجعل تاريخ حجّه سنة 875هـ ويعتبره الدّكتور فرحات الجعبيري في نظام العزّابة ص268 من أهل القرن الثّامن الهجريّ - الرّابع عشر ميلاديّ - وفي آخر كتاب "شفاء الحائم" يعد البرّادي بإتمام الشّرح ويذكر سبب الانقطاع وهو اعتزامه أداء فريضة الحجّ، ويذكر تاريخه في مقدّمة مهّد بها كشف الغمّة وذكر أنّه بعث بالكتاب إلى ذويه من مكّة شرّفها الله سنة 775هـ 1373/1374م. وبذلك لا يصحّ ما ذهب إليه الدّكتور عمّار الطّالبي من أنّ حجّه كان سنة 875هـ بل كان سنة 775هـ حسبما ذكر البرّادي ولا يمكن أن يكون تلميذا للشّيخ يعيش المتوفّي سنة 750هـ وحجّه سنة 875هـ إذ يصبح عمره وقتها 125 سنة بالإضافة إلى سنوات طفولته. وبناءا على هذا يمكن اعتبار أبي الفضل أبي القاسم البرّادي مولودا في أواخر الرّبع الأوّل من القرن الثّامن هـ ووفاته بعد سنة 810هـ في الرّبع الأوّل من القرن التّاسع هـ واعتمادا على هذا يمكن تحديد أطوار حياته :
- النّشأة والتّعليم بدمّر وجربة ونفوسة من 725هـ إلى 745هـ.
- العمل والدّعوة بدمّر من 745هـ إلى 750هـ
- رئاسة مجلس العزّابة بجربة من سنة 750هـ إلى ما بعد سنة 810هـ
الطّور الأوّل : النّشأة والتّعليم
تعلّمه : نشأ البرّادي وسط مجتمع إباضيّ بدمّر وتعلّم وفقا لمناهج التّعليم عند الإباضيّة وهي ذات ثلاث مراحل :
- ابتدائيّ في الكتاتيب بجبل دمّر
- ثانويّ بالمساجد والمدارس القارّة والمتنقّلة بجربة
- عال متخصّص للتّبحّر في مختلف العلوم وخاصّة العقيدة وفروع الفقه والوقوف عند مسائل الخلاف بين المذاهب و الفقهاء وكبار المتكلّمين بجبل نفوسة.
* مركز جبل دمّر : تعلّم البرّادي الكتابة وحفظ ما تيسّر من القرآن ودرس مبادئ العقيدة والفقه عن طريق حفظ بعض المتون و ذلك وسط المساجد الأرضيّة وتحت ضلال الأشجار وأمام الغرف وتحت الخيام.
* مركز جربة : درس بمدرسة الشّيخ يعيش الزواغي الجربيّ بوادي الزّبيب الّذي كان يرأس مجلس العزّابة وتولّى بعده البرّادي رئاسته بعد وفاته في 750 هـ.
* مركز جبل نفوسة : التحق البرّادي بمدرسة أبي ساكن عامر بن علي الشّمّاخي المتوفّي سنة 792هـ 1389/1390م وبمدرسة أبي موسى عيسى الطّرميسي الّتي كان من خرّيجيها الشّيخ إسماعيل الجيطالي وعامر الشّمّاخي.
واصل البرّادي دراسته بجبل نفوسة وتنقّل من حلقة إلى حلقة ومن مركز إلى مركز يطالع كتب المشارقة والمغاربة من الموافقين والمخالفين حتّى أصبح علما من أعلام زمانه.
تأثّر البرّادي بشيوخه تأثّرا واعيا وذكر منهم الشّيخ الجربيّ الزواغي المتوفّي سنة 750هـ وصالح بن نجم المغراوي وأبا ساكن عامر بن علي الشّمّاخي المتوفّي سنة 792هـ.
الطّور الثّاني : العمل والدّعوة
سكن البرّادي دمّر واستقرّ بها يعلّم النّاس ويحكم بينهم ويربّي ناشئتهم ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وكانت دمّر خارجة عن نفوذ سلطة الحفصيّين وقد أثبت البرّادي ذلك خلال تأليف كتاب الجواهر المنتقاة عند كلامه عن حكم صلاة جمعة الإمام الجائر، هل تجوز أو لا تجوز؟ فقال : أمّا نحن أهل الجبل فلا سلطان جائر ولا عادل ولا أمير قاسط ولا مقسّط.
كانت تأتيه الرّسائل من جربة ومن غيرها تحتوي على أسئلة علميّة في شتّى الفنون أكثرها في الفقه، منها رسالة حول الوصيّة والعطيّة ورسالة من الشّيخ أبي عبد الله محمّد بن محمّد الصّدغياني الجربيّ يستفتي الشّيخ البرّادي في مسائل عمليّة وعقائديّة. كما وردت رسالة حول الصّدقة وأجاب عنها بما فيه الكفاية.
يمكن إذن اعتبار البرّادي أوّل من ألّف في الحقائق العلميّة المجرّدة من بين علماء الإباضيّة وأوّل من أحصى تآليف أهل مذهبه مشرقا ومغربا.
الطّور الثّالث : رئاسة مجلس العزّابة بجربة :
تحوّل أبو الفضل البرّادي من دمّر إلى جزيرة جربة واستقرّ بمسجد وادي الزّبيب جامع ولحي حاليّا. ولمّا توفّى الشّيخ أبو البقاء يعيش الزواغي تولّى البرّادي رئاسة مجلس العزّابة سنة 750هـ.
اتّخذ البرّادي من الجزيرة مقرّا ومنطلقا لدعوته الإصلاحيّة وميدانا لكفاحه في سبيل الله. انتصب للتّدريس فكان له مجلس عظيم يجمع أكابر العلماء عند الشّيخ سعيد بن علي يامون بمنطقة غيزن للنّظر والتّشاور في كلّ الشّؤون على اختلافها.
كان البرّادي ينتقل بكثرة بين مختلف أحياء جربة للاتّصال بالنّاس في قراهم لفضّ مشاكلهم ودراسة أحوالهم واشتهر اسمه بين النّاس وعرف بسداد الرّأي وصار محلّ إعجاب وتقدير العامّ والخاصّ وتنوقلت أقواله بين المجالس العائليّة وحلقات المساجد . دلّت على ذلك وفرة ما كان يرد عليه من رسائل وهو بجبل دمّر بالإضافة إلى معرفة عقيدته كاملة في أهمّ القضايا الحسّاسة ممّا أهّله إلى أحقيّته في تولّي رئاسة مجلس العزّابة بجزيرة جربة بعد وفاة شيخه.
تلاميذه : ورد في سير الشّمّاخي الطّبعة الحجريّة ص 16 أنّ تلاميذه هم: أبو عثمان سعيد بن أحمد السّدويكشي وأبو زكرياء يحيى بن أفلح الجربيّ وولداه : أبو محمّد عبد الله الّذي ترأّس مجلس العزّابة بعد والده وأبو عبد الله محمّد الّذي استقرّ بجبل دمّر بعد انتقال والده إلى جربة.
وفاته :
لم نعثر على تاريخ وفاة أبي الفضل البرّادي والرّاجح أنّه توفّي فيما بين سنة 810 هـ - 820هـ.
3- الحياة العلميّة لدى البرّادي :
أ- منهجه وخصائصه :
كان منهج البرّادي ذا طابع تأليفيّ متفتّح وذا مميّزات يمكن تصنيفها إلى عامّة تشترك فيها كل تآليفه و خاصّة انفرد بها كلّ أثر على الأثر الآخر وقد بدا في جميعها مقوّما للكثير من المفاهيم المنحرفة وذلك بدعم الإباضيّة لاستمرارها كمذهب إسلاميّ قادرعلى تبليغ تعاليم الإسلام وتطبيقها في شتّى مجالات الحياة.
نلاحظ من خلال مؤلّفاته أنّ له خصائص عامّة تكوّن منهجه في البحث تتمثّل في :
- الاستقصاء والإمعان في التّدقيق ببسط آرائه مع المقارنة بين النّسخ.
- النّقل اللّفظيّ والمعنويّ مع ذكر المصدر وإيراد الأسانيد.
- الإحالة على المصادر.
- النّقد.
- التّأثّر بالمعتزلة.
للبرّادي جملة من الصّفات واضحة من خلال آثاره العلميّة منها التّواضع والصّراحة والجرأة والزّهد والنّزاهة والاعتدال.
ب- تآليفه :
للبرّادي مؤلّفات عديدة مطبوعة ومخطوطة منها :
- الجواهر المنتقاة فيما أخلّ به كتاب الطّبقات :
توجد بالمكتبة البارونيّة بجربة نسخة حجريّة طبعت سنة 1302هـ بالقاهرة ونسختان خطّيّتان. أمّا سبب كتابة الجواهر المنتقاة فيعود إلى ما حمله البرّادي في نفسه من عزم على التأليف لتلبية حاجة المجتمع الإباضيّ وخاصّة طبقات الطّلبة والعلماء الّذين كثيرا ما يتعرّضون إلى الأحداث التّاريخيّة الكبرى وبالأخصّ الفتنة الكبرى موضع الخلاف ومصدر الافتراق ومنشأ المذهب ويعود كذلك إلى المكانة المرموقة لكتاب الطّبقات بين الأوساط العلميّة.
سعى البرّادي في الحصول على نسخة من الجواهر المنتقاة فلمّا تصفّحها وجد أنّ المؤلّف قد أهمل ذكر الصّدر الأوّل ورأى أن الكتاب يحتاج إلى تصدير فجمع في ذلك آثار الإباضيّة من نصوص أطلق عليها إسم الجواهر المنتقاة في إتمام ما أخلّ به كتاب الطّبقات.
وفي تعليق للشّيخين سالم بن يعقوب وقاسم قوجة حول رسالة العدّالي بتاريخ 25/10/1983 ورد ما يلي :
ذكر الدّكتور سالم العدّالي في كتابه البرّادي حياته وآثاره ص81 أن الشّيخ أخذ نصّا من مقدّمة طبقات الدّرجيني حول الحمد وشرحه، فرأى أنّ الحمد هو الثّناء وهو قسمان : مطلق ومقيّد، فالمطلق فرض والمقيّد واجب... إلى آخر ما أورد حول هذه اللّفظة ثم علّق أنّ هذا بكتاب طبقات المشائخ بالمغرب ج1.
كما ذكر الدّكتور العدّالي في نفس الكتاب ص81 أنّ البرّادي حلّل فقرة حول فضل العلم تفيد أنّ العلم يقود إلى السّعادة الأبديّة... إلى أن قال : وإنّ للعلماء المرتبة الثّانية في الشّفاعة بعد الأنبياء. إنّ الّذي نعلمه عند الإباضيّة أن لا شفاعة لأحد، نبيّا كان أو عالما إلّا بعمله الصّالح الّذي هو عربون نجاته. أمّا من مات على كبيرة دون توبة فلا يجد شفيعا ولا نصيرا. هذا مبدأ الإباضيّة من الآيات الكريمة منها قوله تعالى : "ولا يشفعون إلّا لمن ارتضى" (الآية 28 سورة الأنبياء).
يحتوي كتاب الجواهر كذلك على سبب تأليفه :
يبدو أن البرّادي حرّر كتاب الجواهر بجبل دمّر. يدلّ على ذلك قوله (بالصّفحات 34-35-36) : أمّا نحن أهل الجبل فقد خفّف الله فيها علينا (يعني صلاة الجمعة) إذ لا سلطان جائر ولا عادل ولا أمير قاسط ولا مقسط.
وتظهر قيمة الكتاب في جملة المسائل الّتي تضمّنها :
- خلافة عثمان بن عفّان سياسيّا واقتصاديّا واجتماعيّا.
- خلافة علي بن أبي طالب وإبنه الحسن وأحداث الفتنة وأطوارها.
- أهل النّخيلة ونشأة الخوارج والإباضيّة.
- الطّبقة الأولى من طبقات الإباضيّة.
- صورة من صور السّياسة القضائيّة في عهد الدّولة الرّستميّة.
- رسالة إبن أباض إلى عبد الملك بن مروان.
-رسالة الإمام محمّد بن أفلح حول خلق القرآن ولمع من سيرة الحلقة.
بيّن البرّادي أنّ بعض العزّابة ذكر له سبب تأليف أبي العباس هذا الكتاب : "لمّا وصل الحاج عيسى بن زكرياء من بلاد عمان بما معه من كتب مثل الحلّ لابن واصف وجامع الشّيخ أبي الحسن وجامع أبي جعفر وغيره، أعرب عن رغبة الإباضيّة بعمان في تأليف كتاب يتضمّن سيرأوائل الإباضيّة ومناقب الأسلاف من أهل المغرب ...
استشار البرّادي بجربة يومئذ العزّابة والفقهاء فنظروا في كتاب الشّيخ أبي زكرياء يحيى بن أبي بكر فوجدوه مخلاّ ببعض التّفاصيل قاصرا دون أمد التّحصيل فلم يروا أهلا لهذا التّصنيف غير أبي العبّاس."
- رسالة تأليف الإباضيّة : أو تعداد أسماء الكتب
يعود سبب كتابة هذه الرّسالة الّتي حرّرها بعد أداء فريضة الحجّ إلى طلب أهل عمان من البرّادي أسماء التآليف الّتي كتبها أهل الدّعوة، فحاول أن يستقصي غاية الاستقصاء وأن يبيّن وقوفه أو عدم وقوفه على تلك الكتب وهذا ما دعاه إلى أن يطيل في الرّسالة.
لم يذكر أبو العبّاس الشّمّاخي في كتاب السّيرهذه الرّسالة ضمن مؤلّفات البرّادي لأنّها ألحقت بكتاب الجواهر المنتقاة ولم يذكرها البرّادي ضمن قائمة محتوى الجواهر وتبدأ في صفحة 218 من نصف السّطر الرّابع عشر تحت عنوان : "ذكر ما وقفت عليه وسمعت به من تآليف أصحابنا، ويبدأ بذكر تآليف أهل المشرق وعددها أربعة وعشرون كتابا."
محتوى الرّسالة :
مقدّمة : تضمّنت استعداد البرّادي للإجابة عن طلب أهل عمان.
فيها ثلاثة أجزاء :
* الجزء الأوّل : يحتوي على تآليف أهل المشرق وعددها 32 كتابا مجملها في التّاريخ والحديث والفقه والأصول.
* الجزء الثّاني : تآليف أهل الجبل وعددها 12 كتابا
* الجزء الثّالث : تآليف أهل المغرب وعددها 41 كتابا.
- ما كتب بالصّفحة الأولى : "بسم الله الرّحمان الرّحيم وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله وصحبه وسلّم تسليما. هذه رسالة فيها تقييد كتب أصحابنا ممّا ألّفه الشّيخ الفاضل أبو القاسم بن إبراهيم البرّادي رحمه الله تعالى ورضي عنه".
- ما كتب بالصّفحة الأخيرة : " فهذا ما سمعت به أو وقفت عليه من تآليف أصحابنا. انتهى على يد كاتبه علي بن موسى الباروني من خطّ عمّنا الشّيخ عبد الله الجادوي رحمه الله تعالى وذكر الشّيخ المذكور أنّه من نسخة منسوخة من خطّ المؤلّف بذكر النّاسخ وذكر أنّه فيه كلمات ممترشة تركها بياضا وأصلحها بعد من تقييد آخر ذكر أنّه من خطّ الشّيخ أمغار بن صابر الصّدغياني والسّلام - وصلّى الله على سيّدنا محمّد".
* ذكر الأستاذ الصّادق بن مرزوق بمقال بجريدة الصّباح بتاريخ 4 جوان 1967 تحت عنوان "أعلام من جربة" أنّ هناك بعض الفصول ألحقت بكتاب الجواهر المنتقاة يبدو أنّها لم تكن من أصل الكتاب وإنّما أضافها من تولّى نشره فجاءت كذيل له وهي قائمة فيها أسماء كتب الإباضيّة.
* أمّا المستشرق "موتيلانسكي" فيعدّها تأليفا مستقلاّ، وترجمها معتمدا على نسخة خطّيّة يعود تاريخها إلى سنة 1188هـ 1774م ونشر هذه التّرجمة سنة 1815م.
* قام بتحقيقها الدّكتور عمّار الطّالبي.
اعتمد فيها على نسختين، نسخة الجواهر المنتقاة ونسخة كتاب أفعال العباد، مخطوط بمكتبة مصر، ويذكر أنّ البرّادي كتبها مرّتين، مرّة مختصرة، ومرّة مطوّلة و ذلك استجابة لطلب أهل عمان.
توجد رسالة خطّيّة للبرّادي بالمكتبة البارونيّة بجربة ضمن مجموعة تحت عنوان : "أفعال العباد" تقع في سبع صفحات ونصف من الحجم الصّغير، مقاس 21 x 16 بها1 76 سطرا بمعدّل 24 سطرا في الصّفحة الواحدة مسجّلة تحت عدد 2/130.
ج- البحث الصّادق والاستكشاف عن حقائق معاني كتاب العدل والإنصاف :
توجد بالمكتبة البارونيّة نسختان مخطوطتان قديمتان ترجعان إلى 1275هـ : ورقها ممترش الأطراف، كتابتها جميلة، تقع في 280 و295 صفحة قياسها (20.5 x 15.5 و24 x 17)، معدّل السّطور بالصّفحة 21 و24.
حرّر البرّادي هذه الرّسالة قبل أداء فريضة الحجّ و قسّم المتن إلى أربعة وتسعين مقطعا.
يكتب فصلا ثمّ يتبعه بنصّ المتن بحروف أكبر حجما ويكون مغايرا، غالبا أحمر، وعلى بعض الطّرر تهميشات وتعاليق لعبد الله الصّدويكشي.
- أمّا كتاب العدل والإنصاف فهو لأبي يعقوب يوسف بن إبراهيم السّدراتي الوارجلاني من أهل وارجلان واد بأرض المغرب، ذكر الدّرجيني أنّه في ثمانية أجزاء أمّا الشّمّاخي فذكر أنّ الكتاب في ثلاثة أو أربعة أجزاء ونسب إليه كتاب الدّليل والبرهان وجواباته ورسائله وكتاب التّرتيب في الصّحيح رواية الرّبيع بن حبيب وهو المسند .
- محتوى كتاب البحث الصّادق :
يحتوي الجزء الأوّل على مقدّمة وتسعة أبواب منها : العلم واستعمال الإثنتي عشريّة وباب أقسام العلوم، القول في الرّوح والعقل، باب في الأفعال، باب في الكلام.
اعتمد البرّادي في شرح متن العدل والإنصاف على 34 مرجعا منها : كتاب إحياء علوم الدّين للغزالي (450هـ-505هـ/1059-1111م) وكتاب الموجز لأبي عمّار عبد الكافي الإباضيّ وكتاب طبقات المشايخ لأبي العبّاس الدّرجيني وكتاب الدّليل البرهان لأبي يعقوب الوارجلاني.
كما استشهد البرّادي بمجموعة من الأشعار بلغت 61 بيتا و44 شاهدا يتركّب من بيت إلى بيتين وقد يصل إلى خمسة أبيات.
- رسالة الحقائق :
رسالة الحقائق وحدود العلوم الشّرعيّة والاعتقادات.
طبعت طبعة حجريّة بمطبعة الباروني بالقاهرة سنة 1316هـ وتوجد منسوخة عند الشّيخ سالم بن يعقوب بغيزن جربة (20/3/1904 - 26/01/1991). وقد حقّقها الدّكتور سالم العدّالي في 26 جمادى الثّاني 1404هـ الموافق لـ29 مارس 1984. يطلق عليها البرّادي إسم "أطروفة المفيد" وقد أشار إليها في كتاب البحث الصّادق والاستكشاف ص122 و259.
- ذكر الشّمّاخي في كتاب السّير: طبعة حجريّة ص576 بالمكتبة البارونيّة سبب كتابتها وهو إجابة البرّادي عن سؤال حول الحدود الشّرعيّة، توجّه به إليه الشّيخ أبو عبد الله محمّد بن أحمد الجربيّ الصّدغياني ضمن رسالة وجّهها من جربة إلى أبي الفضل البرّادي بجبل دمّر فأجاب عن حدود بعض العلم وحقائقه. ولمّا وصلت أطروفة المفيد هذا الشّيخ أنشد قصيدة يمدح فيها البرّادي ويشيد بالرّسالة لأنّ البرّادي أظهر فيها علمه وبيّن درجته.
- يظهر أنّ تأليف هذه الرّسالة كان بعد الجواهر بجبل دمّر ويلاحظ أنّ بين النّسخة الحجريّة ونسخة الشّيخ سالم بن يعقوب خلافا في وجود بعض الحقائق في هذه غير موجودة في الأخرى والعكس.
تتكوّن الرّسالة من :
- مقدّمة النّاسخ بيّن فيها سبب التّأليف.
- تمهيد البرّادي تعرّض فيه للوضع السّياسيّ والاجتماعيّ في عهده.
- بيان القوى النّفسيّة الثّلاث : الخياليّة والدنيئة والغضبية، ويقف عند حالتي الرّغبة والرّهبة عند الإنسان.
- عرض جملة الحقائق المتعلّقة بمختلف العلوم الشّرعيّة والاعتقادات.
- الخاتمة : حول ما أسماه البرّادي بالأقاليم السّبعة.
يرمز بالأقاليم إلى جملة من الكتب والتّآليف الإباضيّة مثل تفسير هود بن محكّم الهوّاري.
والأقاليم السّبعة هي :
- علم الكلام
- علم الفقه
- علم النّحو
- علم اللّغة
- علم أصول الفقه
- علم الحديث
-علم التّفسير
أمّا الحقائق فقد ذكر البرّادي 92 حقيقة منها على سبيل الذّكر :
الحقيقة 1 - حقيقة النّظر
الحقيقة 2 - حقيقة العلم
الحقيقة 3 - حقيقة العقل
الحقيقة 51 - حقيقة الكفر
الحقيقة 63 - حقيقة الرّجاء
الحقيقة 68 - حقيقة التّوبة
الحقيقة 75 - حقيقة الشّكر
الحقيقة 92 - حقيقة النّسخ
ملاحظة : ورد ذكر شيء من الحقائق ممّا جمعه الشّيخ البرّادي في نهاية كتاب شرح الدّعائم (يوجد بالمكتبة البارونيّة بجربة).
- شفاء الحائم في شرح بعض الدّعائم :
مخطوطة قديمة تمترشت أطراف أوراقها ولا تزال كتابتها واضحة، ضخمة العناوين، كتبت مقاطع المتن بحبر أحمر، تقع النّسخة في 304 صفحة من الحجم الصّغير، قياسها 21.5 x 15.5 و معدّل السّطور بالصّفحة 20 سطرا.
توجد النّسخة الخطّيّة بالمكتبة البارونيّة بجربة.
ينسب البرّادي كتاب الدّعائم لأبي بكر أحمد بن النّظر العماني.
سمّيت بالدّعائم حسب إبن وصاف لكونها دعائم العلم والدّين. أقدم البرّادي على شرح دعائم إبن النّظر العماني فشرح منها خمس قصائد فقط ويذكر أنّ نيّة السّفر إلى الحجّ حالت دون إتمام شرحه.
المحتوى : خمس دعائم :
- الدّعامة الأولى : منظومة في التّوحيد.
- الدّعامة الثّانية : منظومة في الحجّة على معرفة الخالق من المخلوق.
- الدّعامة الثّالثة : منظومة في خلق الأفعال والرّد على القدريّة.
- الدّعامة الرّابعة : منظومة في الرّدّ على من يقول بخلق القرآن.
- الدّعامة الخامسة : منظومة في الطّهارات وغسل النّجاسات.
* يمتاز أسلوب البرّادي بالتّراكيب السّهلة والمفردات الواضحة تحقّق غرضه من عمليّة الشّرح في رفادة الطّلبة ويتمثّل ذلك في إثراء زاده اللّغويّ بما وفّره من شواهد اللّفظ والمعنى والفوائد العلميّة.
اعتمد البرّادي في شرح الدّعائم على عدّة مراجع منها :
- كتاب الحلّ لإبن وصاف.
- كتاب صفة الذّاهب.
- تفسير أبي الحسن علي بن رضوان الهروي
- تفسير الماوردي
- تفسير النّقّاش
- كتاب جوهر القرآن ودرره لأبي حامد الغزالي
- كتاب شرح الجهلات
- كتاب السّؤالات
- المسند لأبي الرّبيع بن حبيب
- جواب أهل الخلاف :
هو ردّ على من هاجم مذهب الإباضيّة.
ذكر المستشرق البولوني "ويكي" نقلا عن المستشرق "شاخت" أنّه توجد منه نسخة خطّيّة في بني "يزقن" إحدى قرى وادي ميزاب بجنوب الجزائر، مسقط رأس الشّاعر مفدي زكرياء.
للكتاب أهمّيّة لأنّه متضمّن لعدّة مسائل خلافيّة بين الإباضيّة وغيرها من الفرق. نتمنّى أن يتمّ تحقيقه قبل أن يندثر لأنّه غير موجود بجربة إلى حدّ علمنا.
- الأجوبة :
ترك أبو الفضل البرّادي جملة من الأجوبة والفتاوى و ذكر الدّكتور علي يحيى معمّر المؤرّخ اللّيبيّ أنّها تدلّ على أنّ الرّجل بلغ من العلم درجة تجاوزت مرتبة التّقليد إلى الاجتهاد وأثبتت قدرته على الاستقلال بالرّأي في الفتوى.
وهي مجموعة أجوبة عن جملة من الأسئلة توجه بها إليه عدد من أصحابه في المذهب منهم : محمّد بن فارس، الشّيخ محمّد بن علي بن محمّد المنذري ، الشّيخ زكرياء بن سليمان والشّيخ أبو محمّد عبد الله بن يوسف الزّاديني وجواب هذا الأخير يوجد بالمكتبة البارونيّة في صفحتين.
الجواب الأوّل : حول الإقرار والعطيّة والصّدقة
الجواب الثّاني : حول الوصيّة وبعض أحكامها وصورها.
الجواب الثّالث : رأي البرّادي في مال الأوقاف.
4- الخاتمة :
من خلال عرض الأوضاع الطّبيعيّة والسّياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والثّقافيّة بمنطقة جبل دمّر منذ انتشار الإباضيّة بشمال إفريقيا إلى عهد البرّادي خلال القرن الثّامن الهجريّ، يمكن تحديد الإطار العامّ لحياة البرّادي وأطوارها وما لذلك من أثر بالغ على آثاره العلميّة.
ذكر الدّكتور سالم العدّالي في كتابه : " فأبو الفضل البرّادي يمثّل مظهر التّفاعل بين إباضيّة المشرق وإباضيّة المغرب ويعدّ مظهر اعتدال ونضج بين علماء الإباضيّة ومفكّريها كما يعتبر تفاعلا بين الإباضيّة والمالكيّة وتحوّلا فكريّا ذا طابع تأليفيّ بين مفكريّ عصره، بالإضافة إلى معرفة الأصول الإباضيّة وقواعد التّفكير المذهبيّ عند هذه الفرقة.
ومن النّتائج الّتي يمكن إثباتها الطّابع العقليّ اّلذي امتاز به البرّادي من خلال آثاره العلميّة وأحكامه وآرائه الّتي أقرّها وحرص على تطبيقها وترسيخها في الأذهان خاصّة لدى الطّلبة الّذين يدرسون عليه.
ومن الأسباب الّتي دعت البرّادي إلى تحرير رسالة الحقائق يفهم ما كان شائعا بين الأوساط من صراعات بين جملة من المفاهيم تتفاوت قربا وبعدا من الحقّ الّذي ينبغي أن تكون عليه أو تستجيب لشتّى الأغراض الّتي تناط بها وتدعو إلى تحقيقها سواء كان ذلك في فنّ الأصول أو الكلام أو الزّهد أو الفقه.
وقد أثّر البرّادي في مجتمعه تأثيرا بالغا جعل تلاميذه من بعده يواصلون أعماله العلميّة والاجتماعيّة أمثال عبد الله الصّدويكشي الّذي حرص على تعقّب آثار شيخه بالجمع والإصلاح والتّعليق والبيان خاصّة كتاب البحث الصّادق والاستكشاف.
هذه عيّنة من أصول الفكر الإباضيّ مستوحاة من حياة وآثار عالم من علمائها، أرجو أن أكون قد ساهمت في إحياء تراث ثمين مهدّد بالاندثار تزخر به هذه الجزيرة.
لا يسعني في الختام إلّا أن أتوجّه بالشّكر إلى جمعيّة صيانة جزيرة جربة على تنظيم مثل هذه النّدوات والّلقاءات لإحياء التّراث وصيانته.
والله الموفّق لما فيه الخير.
سعيد بن يوسف الباروني
مقالات ذات علاقة
الذكاء الاصطناعي في خدمة التراث المخطوط
"الذكاء الاصطناعي في خدمة التراث المخطوط" أمسية ثقافية مميزة للتعريف بمشروعين رائدين يستخدمان قوة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي للحفاظ على تراثنا المخطوط وتعزيز الوصول إليه.
المزيد