منشورات المكتبة
- تاريخ النشر : 21-05-2024
التّعريف بكتاب الدّكتور فرحات بن علي الجعبيري
بعنوان " العلاقة بين إباضيّة المغرب وإباضيّة البصرة وعمان من القرن الأوّل إلى القرن الحادي عشر للهجرة / من القرن 7 إلى القرن 17ميلاديّ
بقلم : سعيد بن يوسف الباروني
تعزّز رصيد المكتبة العربيّة الإسلاميّة بكتاب قيّم صدر في جوان 2005 عن دار سراس للنّشر الّتي يديرها الأستاذ القدير محمّد بن إسماعيل في طبعة أنيقة .
هذا الكتاب بعنوان " العلاقة بين إباضيّة المغرب وإباضيّة البصرة وعمان من القرن الأوّل إلى القرن الحادي عشر هجريّ / من القرن 7 إلى القرن 17ميلاديّ" لمؤلّفه الدّكتور فرحات بن علي الجعبيري الأستاذ الجامعيّ والباحث الدّؤوب ذي الطّرح المتفنّن والأسلوب الجميل والسّبّاق إلى تقديم بحوث ودراسات طريفة إحياءا للتّراث وإبرازا لمعالم شخصيّتنا التّاريخيّة وربطا لحاضرنا المشرق بماضينا المجيد.
فقد تفضّل الدّكتور الجعبيري بإهدائنا نسخة من هذا الكتاب دوّن فيه هذه الكلمات اللّطيفة : "بسم الله الرّحمان الرّحيم.
تونس في 11 رمضان المعظّم 1426 الموافق لـ 15/10/2005.
أهدي هذا الكتاب إلى المكتبة البارونيّة العامرة وأنا أقول من كلّ قلبي: هذه بضاعتكم ردّت إليكم إذ لولا فضل هذه المكتبة بأهلها ما استطاع باحث أن يكتب في الفكر الإباضيّ بمثل ما يكتب وإليك يا أخي سعيد تحيّة ودّ وإخلاص مقابل وفائك يوم وقفت بجانبي وآزرتني عند الحاجة إلى ذلك تقبّل الله منك صالح الأعمال وأعانك على تحقيق آمالك.
الإمضاء : أخوك فرحات بن علي الجعبيري."
وما إن عاينت الكتاب الّذي كان له قصب السّبق في توضيح الصّلات بين المغرب والمشرق والتّواصل القائم منذ القرن الأوّل هجريّ/السّابع ميلاديّ بين الشّعوب والّتي مازالت تنادي به في القرن 15 هجريّ ـ/ القرن 21 ميلاديّ من خلال القمم العالميّة الّتي تعقد لتقريب الشّعوب بعضها ببعض وما القمّة العالميّة لمجتمع المعلومات الّتي احتضنتها تونس أيّام 16 و17 و18 نوفمبر 2005 إلاّ خير دليل على ذلك.
بادرنا بالتّعريف بهذا الكتاب لقرّاء جريدة الجزيرة الفيحاء ولعامّة المثقّفين.
عنوان الكتاب : العلاقة بين إباضيّة المغرب وإباضيّة البصرة وعمان من القرن الأوّل إلى القرن الحادي عشر هجريّ / من القرن 7 إلى القرن 17ميلاديّ.
المؤلّف : فرحات بن علي الجعبيري.
النّاشر: دار سراس للنّشر، جوان 2005.
المقاس:20.5 صم / 14 صم .
عدد الصّفحات: 339 .
معدّل السّطور بكلّ صفحة : 18 سطرا.
تقديم الأستاذ: الصّادق بن جمعة عضو جمعيّة الأخوّة التّونسيّة العمانيّة.
اشتمل الكتاب على:
- مقدّمة وتوطئة في التّعريف ببلاد المغرب وعمان.
- فصول خمسة وخاتمة:
المقدّمة:
افتتح د. الجعبيري كتابه بكلمة شكر لكلّ من ساهم كي يرى هذا العمل النّور على الوجه الّذي هو عليه و أهداه إلى الدّاعية سلمة بن سعد وإلى أرواح جميع الدّعاة إلى إعلاء كلمة الله في كلّ مكان وزمان.
أمّا تقديم الكتاب فكان بقلم الأستاذ الصّادق بن جمعة عضو جمعيّة الأخوّة التّونسيّة العمانيّة الّتي تأسّست سنة2001 .
حدّد د. الجعبيري في مقدّمته الّتي احتلّت 15 صفحة سبب تأليف هذا الكتاب الّذي يعود إلى مشاركته في ندوة تاريخيّة دعي إليها من طرف وزارة الإعلام بسلطنة عمان في ديسمبر 1994 قدّم خلالها ملخّصا لبحث نشر في كتاب بعنوان: "عمان في التّاريخ" ضمن الحديث عن الإباضيّة في بلاد المغرب وعلاقتهم بعمان، في الفصل الأوّل من الباب الرّابع بعنوان: "العلاقة بين عمان وإباضيّة شمال إفريقيا " من الصّفحة 215 إلى الصّفحة 231 مع التّعليق من الصّفحة 355 إلى 356 .
طرح د. الجعبيري إشكاليّة عدم التّوازن بين الوثائق الّتي حصل عليها بين ما قبل القرن الحادي عشر الهجريّ، السّابع عشر الميلاديّ وما بعده والّتي فرضت عليه الاشتغال بهذه العلاقة على ثلاث مراحل :
المرحلة الأولى : العلاقة بين إباضيّة المغرب وإباضيّة البصرة وعمان من النّشأة إلى القرن الحادي عشر الهجريّ، السّابع عشر الميلاديّ وهو موضوع الكتاب الّذي نحن بصدد تقديمه للقرّاء .
المرحلة الثّانية : العلاقة بين إباضيّة المغرب وإباضيّة عمان من القرن الحادي عشر الهجريّ السّابع عشر الميلاديّ إلى قيام دولة السّلطان قابوس سنة 1970 .
المرحلة الثّالثة: العلاقة المعاصرة بين الجمهوريّة التّونسيّة وسلطنة عمان والّتي يعتزم الأشتغال بها في عملين لاحقين.
كما أثبت الدّكتور الجعبيري شرعيّة بحثه بتتبّع كتب الجغرافيّين والمؤرّخين العرب فذكر الشّريف الإدريسي (560ه/1165م) وياقوت الحاموي (626 ه/ 1228م) وابن خلدون (808 ه/ 1406م) ولواب بن سلاّم ( 273 ه/ 887 م) وعمرو خليفة النّامي المولود بنالوت في 1942 .
أشار د. الجعبيري في مقدّمته أنّه أقام بحثه على أربعة فصول متفرّعة إلى مباحث متفاوتة الطّول، اختصر الفصول الثّلاثة الأولى على مبحثين فقط في حين اشتمل الفصل الرّابع على أربعة بحوث بينما ضمّ الفصل الخامس والأخير ثلاثة مباحث. ركّز في الفصول الثّلاثة الأولى على إبراز أئمّة الإباضيّة في البصرة والمغرب بينما أقام مباحث الفصلين الأخيرين على اضطرابات الأوضاع بالمشرق والمغرب وتقلّص عدد الإباضيّة هنا وهناك .
أمّا في ما يخصّ منهجه في هذا العمل فيتمثّل في تحليل النّصوص والوثائق والتّأليف بينها واستنطاق الغامض منها لمعرفة حقيقة العلاقة بين إباضيّة المغرب وإباضيّة البصرة وعمان .
أمّا في التّوطئة فقد حدّد الإطار الجغرافيّ للبحث بالنّسبة لعمان ولبلاد المغرب.
بعد أن تخلّص من المقدّمة والتّوطئة عرض علينا د.الجعبيري فصول الكتاب الخمسة :
الفصل الأوّل : نشأة العلاقة بين إباضيّة المغرب وإباضيّة البصرة وعمان إلى حدود النّصف الأوّل من القرن الثّاني الهجريّ / الثّامن الميلاديّ.
اهتمّ هذا الفصل بالفترة من نهاية القرن الأوّل إلى منتصف القرن الثّاني واشتمل على:
الفصل الثّاني : العلاقة بين إباضيّة المغرب وإباضيّة البصرة وعمان في النّصف الثّاني من القرن الثّاني هجريّ / الثّامن ميلاديّ.
أقام الدّكتور الجعبيري في هذا الفصل مبحثين :
الفصل الثّالث : العلاقة بين إباضيّة المغرب وإباضيّة عمان في القرن الثّالث هـجريّ / التّاسع ميلاديّ.
أقام المؤلّف لهذا الفصل مبحثين :
المبحث الأوّل: حول العلاقة بين إباضيّة المغرب بإمامة أفلح الرّستميّ وأئمّة عمان في المشرق وازدهارها بالحركيّة العلميّة الّتي شهدتها هذه الفترة والمتمثّلة خاصّة في استجلاب ديوان الإمام جابر بن زيد واستقراء كتاب أبي سفيان محبوب بن الرّحيل العماني للتّعرف على سير الإباضيّة بالمشرق وبما تمّ من لقاءات علميّة في بيت الله الحرام بين محمّد بن محبوب وعمروس بن فتح وبما تمّ من مراسلات بين الطّرفين. ثمّ تحدّث المؤلّف عن عمروس بن فتح وكتابه الدّينونة الصّافية وعن سيرة أهل المغرب بالإمام الصّلت بن مالك بعمان (237-273هـ/ 852/887م) وذكر رسالة أبي عيسى إبراهيم بن إسماعيل الخرساني وجماعة المسلمين إلى أهل المغرب في الدّعوة إلى التّآلف وإثبات أحقّيّة الإمام عبد الوهّاب وإبنه أفلح في قضيّة خلف بن السّمح ،داعية هذا الأخير إلى الرّجوع إلى الحقّ والامتثال لأمر الإمام وختم هذا المبحث بالإشارة إلى الأخبار الّتي ذكرها لوّاب بن سلاّم عن اتّصال أبيه بإباضيّة مصر وعن رحلته لأداء فريضة الحجّ.
المبحث الثّاني: العلاقة بين إباضيّة المغرب وإباضيّة عمان بعد وفاة الإمام أفلح وما شهدته هذه العلاقة من تدحرج نحو الانهيار وبما عرفته الإمامة من انحلال ثمّ سقوط وانتهاء . ويتبيّن في هذا الفصل أنّ أساس العلاقة كان علميّا بحتا وظلّ كل الأطراف يسدي النّصيحة للآخر للحفاظ على الأمن والسّلم والطّمأنينة.
اضطربت الأحوال في المغرب بعد هلاك الإمام أفلح واستئصال الشّيعة للإمامة الرّستميّة بتاهرت سنة (296هـ/908م) وإحراق مكتبتها المعصومة وعصفت الفتنة في المشرق بإمامة عمان، فانقسم العمانيون إلى فئتين:رستاقيّة ونزوانيّة ،جماعة تناصر الإمام الصّلت بن مالك وأخرى تناصر من عزلوه وعيّنوا مكانه راشد بن النّضر.
أدّى هذا الانقسام إلى تمكّن محمّد بن يور والي البحرين من قبل العبّاسيّين سنة 280 هـ / 893م من الإستلاء على عمان وحوّل عاصمتها إلى بهلا. ولإن استطاع أهل عمان أن يعودوا إلى إمامة الظّهور فيما بعد ،فقد استمرّ إباضيّة المغرب في الكتمان وقام نظام العزّابة مقام نظام الإمامة وعن طريقه تواصلت العلاقات بإباضيّة المشرق الّذين انحسر كيانهم بعمان.
الفصل الرّابع : العلاقة بين إباضيّة المغرب وإباضيّة عمان من القرن الرّابع إلى القرن السّابع هجريّ ـ/ من القرن 10 الى القرن 13ميلاديّ.
قدّم المؤلّف في هذا الفصل أخبار قرون أربعة وخصّص لكلّ قرن مبحثا.
المبحث الأوّل: خصّصه المؤلّف للحديث عن القرن الرّابع وعن اضطراب الأوضاع مشرقا ومغربا حيث قامت بالمغرب ثورتان: ثورة أبي يزيد مخلّد بن كيداد (336هـ/947م) وثورة أبي خزر بن زلتاف (358هـ/969م) اللّتان باءتا بالفشل وعرفت بلاد المشرق استبداد الجبابرة وتراجع الإمامة ورغم ذلك عرفت الفترة اتّصالات يغلب عليها الكتمان وانحصرت في قدوم ابن الجمع من المشرق تاجرا فنزل توزر وسجلماسة حيث اشتغل بالتّدريس وإرسال سبعين طالبا من المغرب للدّراسة على يد الشّيخ عبد الله بن محمّد بن بركة (362هـ/972م) صاحب كتاب الجامع في الفقه.
المبحث الثّاني : خصّص للقرن 5 هجريّ ـ/ 11ميلاديّ. قلّت الزّيارات في هذه الفترة لكن بقيت التّآليف ووفرة الكتب المشرقيّة بالمغرب أحسن رباط بين أهل المشرق وأهل المغرب. ورغم اضطراب الأحوال فإنّ اللّقاءات كانت تتمّ في الحرمين الشّريفين ومنها لقاء نصر بن سجميمان النّفوسيّ بأئمّة عمان في الحجّ والحديث عن مسائل كلاميّة دقيقة كخلق القرآن وقدمه واعتبار السّخط والرّضا من صفات الذّات أو من صفات الفعل لكن يبقى الأمر غامضا لعدم تحديد تاريخ اللّقاء ولعدم ذكر أئمّة عمان الّذين اجتمع بهم.
المبحث الثّالث :اهتمّ بالقرن 6 هـ /12 م ذلك القرن الّذي قلّت فيه الأخبار رغم ازدهار مدينة وارجلان بالمغرب، وأثبت المؤلّف اعتناء أبي يعقوب الوارجلاني بترتيب مسند الرّبيع بن حبيب عمدة الإباضيّة في الحديث حسب أبواب الفقه وبذلك تحوّل المسند إلى جامع صحيح. وذكر المؤلّف رحلة ابن خلفون إلى الحجّ واللّقاء بفقيه عمان ناجية بن ناجية العماني وتوبة ابن خلفون في لقاء له بالشّيخ يخلف بن يخلف النّفوسيّ التّمجاري العزّابي صاحب الطّبقات وهو في طريق الحجّ وتبنّي الإباضيّة منهج الفقه المقارن بعد أن كانوا يستنكفون منه إلّا القليل النّادر.
المبحث الرّابع : يعنى بالقرن 7 هـجريّ /13 ميلاديّ، هذا القرن الّذي شهد تأليف كتاب طبقات الدّرجيني الجامع لسير مشائخ الإباضيّة والّذي كان رمز التّعاون في شأن رغبة المشارقة في التّعرّف على أخبار المغاربة ، ويشير الدّكتور الجعبيري إلى سبب تأليف أبي العبّاس هذا الكتاب والمتمثّل في رغبة المشارقة في الاطّلاع على سير الأوائل ومناقب الأسلاف من أهل المغرب منذ وصول المذهب إليه جيلا بعد جيل ،ويختم المؤلّف الفصل الرّابع بإثبات أنّ العلاقة انحصرت في العطاء الفكريّ في نطاق المحافظة على دعائم أصول المذهب وفروعه ممّا يمكّن أتابعه من عدم الذّوبان.
الفصل الخامس : العلاقة بين إباضيّة المغرب وإباضيّة عمان من القرن 8 إلى القرن 11 هجريّ ـ / من القرن 14 الى القرن17 ميلاديّ.
خصّص المؤلّف لهذا الفصل الّذي سيعتني بالعلاقة بين المشارقة والمغاربة طيلة أربعة قرون من 8 هـ/ 14 م إلى 11 هـ /17 م ثلاثة مباحث :
المبحث الأوّل : العلاقة في القرن 8 هـ/14 م : اعتنى المؤلّف بأخبار رحلة شمس الدّين أبي عبد الله محمّد بن إبراهيم (إبن بطوطة) الّذي حلّ بعمان في 27 ذي القعدة 731 هـ/ 1 سبتمبر 1331 م وذكر غرائب ممّا لاحظه من أحداث أيّام جور حكم بني نبهان (549-1034هـ /1154-1624 م) من صراع على السّلطة بين بني نبهان أنفسهم من جهة وبينهم وبين بعض القبائل العمانيّة من جهة أخرى ، كما تعرّض في حديثه إلى نشاط أبي الفضل أبي القاسم بن إبراهيم البرّادي الدّمّري المتمثّل في إحصاء تآليف الإباضيّة بالمشرق وذكر اثنين وثلاثين عنوانا منها:
1-كتاب صفة أحداث عثمان بن عفّان.
2– كتاب فيه أخبار صفّيّين وأخبار أهل النّهروان وقتلهم.
3– كتاب سالم بن الحطيئة الهلاليّ (2 هـ/8م) في العقائد والنّقض والاحتجاج
4 – كتاب شبيب بن عطيّة العماني ،عن الشّكّاك والمرجئة ويسمى بسيرة شبيب بن عطيّة إلى عبد السّلام بن عبد القدّوس البصريّ .
5– كتاب المسند وهو حديث الرّبيع بن حبيب.
6– جامع الشّيخ أبي الحسن
7– كتاب الدّعائم لأحمد بن سليمان بن النّضر السّمائلي (ق5هـ/11م)
8– كتاب كشف الغمّة في إختلاف الأمّة.
المبحث الثّاني: العلاقة في القرنين9 و10 هجريّ /15و16 ميلاديّ.
يقف المؤلّف عند أخبار القرنين التّاسع والعاشر بذكر قصيدة محمّد بن عبد الله الأغبري العماني الّتي فصّل فيها أخبار أهل المغرب وتضمّ أربعة وثمانين بيتا أرسلها تحيّة إلى أهل المغرب في جربة وجبل نفوسة وورجلان ووادي مزاب ويذكر فيها بعض المواطن وبعض العلماء. ذكر المؤلّف مخمّسا في 22 صفحة لعبد الله بن عمر بن زياد بن أحمد البهلوي العماني في مائتين وإثنين وسبعين بيتا (272) لإخوانه من أهل المغرب يمدح فيه المذهب ويحرّض على الثّبات عليه وذلك بالتّذكير بتاريخه المجيد وبتعاون أئمّته على إرساء أسسه الجوهريّة الأصوليّة والفقهيّة على قواعد قرآنيّة وسنّيّة ثابتة .
المبحث الثّالث: العلاقة بين عمان والمغرب في القرن الحادي عشر هجريّ / السّابع عشر ميلاديّ.
يشتمل هذا المبحث على تهنئة المغاربة العمانيّين بتنصيب الإمام ناصر بن مرشد اليعربيّ (1034-1050هـ/1624-1640م) الّذي خلّص البلاد من جور النّباهنة وغيرهم وأرجع للإمامة مجدها. كما يشتمل على نصيحة عمر بن سعيد بن محمّد بن زكرياء الجربيّ الإباضيّ للإمام بلعرب للاعتناء بالتّعليم وإيلائه الاهتمام الأكبر بعد تنويهه بما رآه من ازدهار بعمان أثناء رحلته مستثنيا ظاهرة قلّة المدارس، ذاكرا وفرتها في جربة وبرامج التّدريس ومجالس العلم الّتي تعقد يوما الأحد والثّلاثاء خاتما رسالته للإمام بإخلاص نيّته وشكواه من فقد الإمام العادل بجربة وإن كان أهلها قدوة في التّمسّك بالعلم والتّعليم، فكانت النّصيحة سببا في انبعاث حركة علميّة رعاها الإمام بنفسه أثرت المدرسة الإباضيّة بعطاء زاخر.
الخاتمة :
ختم الدّكتور فرحات الجعبيري كتابه بالإشارة إلى اختيار الإباضيّة عند نشأتهم تسمية معبّرة عن الرّوح الّتي انطلقوا منها وهي "أهل الدّعوة" وممّا زادهم حركيّة في نشر دعوتهم تبنّيهم مبدأ الشّراء الّذي دفعهم إلى رفض الظّلم حيثما كانوا والبحث عن المواطن الّتي يمكن نشر مبادئهم فيها، لذلك انتشروا شرقا وغربا ونجحوا في بعث مقرّين أساسيّين لدعوتهم استطاعا مصارعة الزّوابع عبر الزّمن بعد انقراض مركز دعوتهم الأولى بالبصرة.
المقرّ الأوّل: بلاد عمان هي منطلق الدّعوة ومرجعها لأنّ إمام الإباضيّة جابر بن زيد عماني المنبت .
المقرّ الثّاني : بلاد المغرب : فقد ثابر شيوخ البصرة وأئمّتها على بعثه عن طريق حملة العلم واستطاع الإباضيّة مع الأمازيغ أن يقيموا لهم كيانا كاملا من الثّلث الأوّل للقرن الثّاني هـجريّ / الثّامن ميلاديّ وكان رهانا أصعب لبعد الدّيار.
وأشار المؤلّف إلى العلاقة السّياسيّة بين الطّرفين الّتي لم تتعدّ مرحلة التّشاور والتّناصح والمؤازرة للحفاظ على الإمامة لبعد الدّيار وإلى العلاقة الاقتصاديّة الّتي لا تذكر لغياب التّواصل المستمرّ ولبعد المسافة بين مقرّات الدّعوة.
أمّا عن العلاقة الفكريّة فلم تنقطع عبر الزّمان رغم بعد المسافة بين الطّرفين وقد بدأت قويّة في مرحلة النّشأة حيث ظلّ أهل المشرق يرعون أهل المغرب رعاية تامّة ويرجع أهل المغرب بالمشورة إلى أهل المشرق في الكبيرة والصّغيرة ولا يطمئنّ لهم بال حتّى ترد الرّسل أو الأجوبة من هناك .
أمّا القسم الثّاني للخاتمة فقد خصّصه الدّكتور فرحات الجعبيري للفهارس الّتي اشتملت على :
-فهرس الآيات القرآنيّة والأحاديث النّبويّة.
-فهرس الأعلام
-فهرس الأماكن
-فهرس القبائل والأمم والطّوائف
-فهرس المصادر والمراجع
-الخرائط
الملحق الأوّل : رسالة المغاربة لأهل عمان يهنّئونهم بتنصيب الإمام ناصر بن مرشد بن مالك اليعربي (1034-1050هـ/1624-1640م).
الملحق الثّاني : رسالة الشّيخ عمر بن سعيد الجربيّ المغربيّ ينصح الإمام بلعرب بن سلطان اليعربي العمانيّ (1091-1104هـ/1681-1693م) بحثّ الرّعيّة عل طلب العلم وتقويم المجالس وعمارة المدارس.
-الفهرس العام :
ولا يسعني في خاتمة التّعريف بهذا الكتاب القيّم إلّا أن أتوجّه بالثّناء على الدّكتور فرحات بن علي الجعبيري الّذي عرفته منذ سنوات حيث أعطى الكثير من مجهوداته للمكتبة العربيّة الإسلاميّة إحياءا للتّراث وتعريفا بتاريخنا المجيد، كما أتمنّى أن يكون تعريفي بهذا الكتاب مساهمة متواضعة منّي في إفادة المثقّفين عموما والباحثين خصوصا والمحبّين لجزيرة جربة بالأخصّ وفي حثّهم لشرائه والاطّلاع عليه وهو خير ما تزدان به رفوف المكتبات الخاصّة والعامّة على أمل أن يجود علينا الدّكتور فرحات الجعبيري بأبحاث طويلة المدى تمتدّ من القرن الحادي عشر هجريّ/17ميلاديّ إلى قيام دولة السّلطان قابوس سنة 1970م ودراسة العلاقة المتميّزة في الفترة المعاصرة بن سلطنة عمان والجمهوريّة التّونسيّة حسبما جاء في مقدّمة الكتاب.
وخير ما أنهي به مقالي هذا فقرة للمؤلّف الدّكتور فرحات الجعبيري على غلاف مؤخّرة الكتاب :" تلك هي ملامح الصّلات بين إباضيّة المغرب وإباضيّة عمان، أخوّة صادقة ولقاءات مباشرة في عمان أو في المغرب أو في الحجّ ومراسلات مستمرّة تحمل في طيّاتها آمال الأمّة وآلامها وكتب متبادلة على مرّ الزّمان تحمل عصارة أفكار فقهاء الأمّة ومدارس علميّة يتعانق فيها هذا مع ذاك وعمل دؤوب على السّعي إلى نشر العدل والأمن والسّلام".
بقلم سعيد بن يوسف الباروني
جربة في 18 شوال 1427
20 نوفمبر 2005
بقلم : سعيد بن يوسف الباروني
تعزّز رصيد المكتبة العربيّة الإسلاميّة بكتاب قيّم صدر في جوان 2005 عن دار سراس للنّشر الّتي يديرها الأستاذ القدير محمّد بن إسماعيل في طبعة أنيقة .
هذا الكتاب بعنوان " العلاقة بين إباضيّة المغرب وإباضيّة البصرة وعمان من القرن الأوّل إلى القرن الحادي عشر هجريّ / من القرن 7 إلى القرن 17ميلاديّ" لمؤلّفه الدّكتور فرحات بن علي الجعبيري الأستاذ الجامعيّ والباحث الدّؤوب ذي الطّرح المتفنّن والأسلوب الجميل والسّبّاق إلى تقديم بحوث ودراسات طريفة إحياءا للتّراث وإبرازا لمعالم شخصيّتنا التّاريخيّة وربطا لحاضرنا المشرق بماضينا المجيد.
فقد تفضّل الدّكتور الجعبيري بإهدائنا نسخة من هذا الكتاب دوّن فيه هذه الكلمات اللّطيفة : "بسم الله الرّحمان الرّحيم.
تونس في 11 رمضان المعظّم 1426 الموافق لـ 15/10/2005.
أهدي هذا الكتاب إلى المكتبة البارونيّة العامرة وأنا أقول من كلّ قلبي: هذه بضاعتكم ردّت إليكم إذ لولا فضل هذه المكتبة بأهلها ما استطاع باحث أن يكتب في الفكر الإباضيّ بمثل ما يكتب وإليك يا أخي سعيد تحيّة ودّ وإخلاص مقابل وفائك يوم وقفت بجانبي وآزرتني عند الحاجة إلى ذلك تقبّل الله منك صالح الأعمال وأعانك على تحقيق آمالك.
الإمضاء : أخوك فرحات بن علي الجعبيري."
وما إن عاينت الكتاب الّذي كان له قصب السّبق في توضيح الصّلات بين المغرب والمشرق والتّواصل القائم منذ القرن الأوّل هجريّ/السّابع ميلاديّ بين الشّعوب والّتي مازالت تنادي به في القرن 15 هجريّ ـ/ القرن 21 ميلاديّ من خلال القمم العالميّة الّتي تعقد لتقريب الشّعوب بعضها ببعض وما القمّة العالميّة لمجتمع المعلومات الّتي احتضنتها تونس أيّام 16 و17 و18 نوفمبر 2005 إلاّ خير دليل على ذلك.
بادرنا بالتّعريف بهذا الكتاب لقرّاء جريدة الجزيرة الفيحاء ولعامّة المثقّفين.
عنوان الكتاب : العلاقة بين إباضيّة المغرب وإباضيّة البصرة وعمان من القرن الأوّل إلى القرن الحادي عشر هجريّ / من القرن 7 إلى القرن 17ميلاديّ.
المؤلّف : فرحات بن علي الجعبيري.
النّاشر: دار سراس للنّشر، جوان 2005.
المقاس:20.5 صم / 14 صم .
عدد الصّفحات: 339 .
معدّل السّطور بكلّ صفحة : 18 سطرا.
تقديم الأستاذ: الصّادق بن جمعة عضو جمعيّة الأخوّة التّونسيّة العمانيّة.
اشتمل الكتاب على:
- مقدّمة وتوطئة في التّعريف ببلاد المغرب وعمان.
- فصول خمسة وخاتمة:
- الفصل الأوّل : نشأة العلاقة بين إباضيّة المغرب وإباضيّة عمان إلى حدود النّصف الأوّل من القرن الثّاني هجريّ / الثّامن ميلاديّ وبه 44 صفحة.
- الفصل الثّاني : العلاقة بين إباضيّة المغرب وإباضيّة البصرة وعمان في النّصف الثّاني من القرن الثاّني هجريّ / الثّامن ميلاديّ م وبه 20 صفحة.
- الفصل الثّالث : العلاقة بين إباضيّة المغرب وإباضيّة عمان في القرن الثّالث هجريّ / القرن التّاسع ميلاديّ وبه 53 صفحة.
- الفصل الرّابع: العلاقة بين إباضّية المغرب وإباضيّة عمان من القرن الراّبع إلى القرن السّابع هجريّ / من القرن العاشر إلى القرن الثّالث عشر ميلاديّ وبه 48 صفحة.
- الفصل الخامس : العلاقة بين إباضيّة المغرب وإباضيّة عمان من القرن8 إلى القرن 11 هجريّ / من القرن 14 الى القرن17ميلاديّ وبه 40 صفحة.
المقدّمة:
افتتح د. الجعبيري كتابه بكلمة شكر لكلّ من ساهم كي يرى هذا العمل النّور على الوجه الّذي هو عليه و أهداه إلى الدّاعية سلمة بن سعد وإلى أرواح جميع الدّعاة إلى إعلاء كلمة الله في كلّ مكان وزمان.
أمّا تقديم الكتاب فكان بقلم الأستاذ الصّادق بن جمعة عضو جمعيّة الأخوّة التّونسيّة العمانيّة الّتي تأسّست سنة2001 .
حدّد د. الجعبيري في مقدّمته الّتي احتلّت 15 صفحة سبب تأليف هذا الكتاب الّذي يعود إلى مشاركته في ندوة تاريخيّة دعي إليها من طرف وزارة الإعلام بسلطنة عمان في ديسمبر 1994 قدّم خلالها ملخّصا لبحث نشر في كتاب بعنوان: "عمان في التّاريخ" ضمن الحديث عن الإباضيّة في بلاد المغرب وعلاقتهم بعمان، في الفصل الأوّل من الباب الرّابع بعنوان: "العلاقة بين عمان وإباضيّة شمال إفريقيا " من الصّفحة 215 إلى الصّفحة 231 مع التّعليق من الصّفحة 355 إلى 356 .
طرح د. الجعبيري إشكاليّة عدم التّوازن بين الوثائق الّتي حصل عليها بين ما قبل القرن الحادي عشر الهجريّ، السّابع عشر الميلاديّ وما بعده والّتي فرضت عليه الاشتغال بهذه العلاقة على ثلاث مراحل :
المرحلة الأولى : العلاقة بين إباضيّة المغرب وإباضيّة البصرة وعمان من النّشأة إلى القرن الحادي عشر الهجريّ، السّابع عشر الميلاديّ وهو موضوع الكتاب الّذي نحن بصدد تقديمه للقرّاء .
المرحلة الثّانية : العلاقة بين إباضيّة المغرب وإباضيّة عمان من القرن الحادي عشر الهجريّ السّابع عشر الميلاديّ إلى قيام دولة السّلطان قابوس سنة 1970 .
المرحلة الثّالثة: العلاقة المعاصرة بين الجمهوريّة التّونسيّة وسلطنة عمان والّتي يعتزم الأشتغال بها في عملين لاحقين.
كما أثبت الدّكتور الجعبيري شرعيّة بحثه بتتبّع كتب الجغرافيّين والمؤرّخين العرب فذكر الشّريف الإدريسي (560ه/1165م) وياقوت الحاموي (626 ه/ 1228م) وابن خلدون (808 ه/ 1406م) ولواب بن سلاّم ( 273 ه/ 887 م) وعمرو خليفة النّامي المولود بنالوت في 1942 .
أشار د. الجعبيري في مقدّمته أنّه أقام بحثه على أربعة فصول متفرّعة إلى مباحث متفاوتة الطّول، اختصر الفصول الثّلاثة الأولى على مبحثين فقط في حين اشتمل الفصل الرّابع على أربعة بحوث بينما ضمّ الفصل الخامس والأخير ثلاثة مباحث. ركّز في الفصول الثّلاثة الأولى على إبراز أئمّة الإباضيّة في البصرة والمغرب بينما أقام مباحث الفصلين الأخيرين على اضطرابات الأوضاع بالمشرق والمغرب وتقلّص عدد الإباضيّة هنا وهناك .
أمّا في ما يخصّ منهجه في هذا العمل فيتمثّل في تحليل النّصوص والوثائق والتّأليف بينها واستنطاق الغامض منها لمعرفة حقيقة العلاقة بين إباضيّة المغرب وإباضيّة البصرة وعمان .
أمّا في التّوطئة فقد حدّد الإطار الجغرافيّ للبحث بالنّسبة لعمان ولبلاد المغرب.
بعد أن تخلّص من المقدّمة والتّوطئة عرض علينا د.الجعبيري فصول الكتاب الخمسة :
الفصل الأوّل : نشأة العلاقة بين إباضيّة المغرب وإباضيّة البصرة وعمان إلى حدود النّصف الأوّل من القرن الثّاني الهجريّ / الثّامن الميلاديّ.
اهتمّ هذا الفصل بالفترة من نهاية القرن الأوّل إلى منتصف القرن الثّاني واشتمل على:
- تمهيد: تحدّث فيه عن ظهور جماعة تعرّف نفسها بجماعة المسلمين, بأهل الاستقامة أو بأهل الدّعوة و ذلك بعد بوادر الافتراق في صفوف الأمّة بعد الفتنة الكبرى بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان.
- خصّص المبحث الأوّل للعلاقة بين إباضيّة الغرب وإباضيّة البصرة وعمان زمن الإمام جابر بن زيد ( 93هـ/711م ) الّذي نسب إليه المذهب الإباضيّ وهو أوّل من جمع الحديث في ديوان ولسوء الحظّ يستبعد المؤلّف اتّصالات بين الإمام جابر بن زيد وأهل المغرب ويرجعها إلى المرحلة السّرّية الدّقيقة الّتي مرّت بها الحركة الإباضيّة المحاصرة من الدّولة الأمويّة وعمّالها.
- خصّص المبحث الثّاني للعلاقة بين إباضيّة المغرب وإباضيّة البصرة وعمان زمن الإمام أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة (145 هـ/762 م ) وأثبت فيه ما شهدته العلاقة من قفزة قويّة في عهد الإمام الثّاني أبي عبيدة ،وتمثّلت هذه القفزة في رحلة محمّد بن مغيطرة النّفوسي من جبل نفوسة إلى البصرة ثم رحلة سلمة بن سعد من البصرة إلى القيروان الّتي أثمرت تكوين بعثة علميّة من أربعة طلبة أرسلت إلى البصرة تنهل العلم من منابعه و هم : عبد الرّحمان بن رستم بن بهرام بن كسرى فارسيّ الأصل وعاصم السّدراتي من جبل الأوراس بشمال الجزائر وأبو درّار إسماعيل بن درّار الغدامسي من غدامس وأبو الخطّاب عبد الأعلى المعافري من اليمن.
الفصل الثّاني : العلاقة بين إباضيّة المغرب وإباضيّة البصرة وعمان في النّصف الثّاني من القرن الثّاني هجريّ / الثّامن ميلاديّ.
أقام الدّكتور الجعبيري في هذا الفصل مبحثين :
- المبحث الأوّل : حول العلاقة زمن الإمام عبد الرّحمان بن رستم واستبشار إباضيّة المشرق بهذه الإمامة ومؤازرتهم المادّيّة والمعنويّة لها.
- المبحث الثّاني : حول العلاقة زمن الإمام عبد الوهاب ومدى تطوّرها وازدهارها لما عرفته من مراسلات ومشاورات في أدقّ القضايا وصلات وهدايا مع تكاثر الوافدين على تاهرت عاصمة الإمامة ،تلك الإمامة الّتي حوّلت ثقل العطاء الإباضيّ إلى بلاد المغرب معرّجا على مراسلات المشارقة في شأن فتنة النّكّار واستشارة الإمام عبد الوهاب علماء المشرق في إمكانيّة أدائه لفريضة الحجّ ورحلة أبي غانم الخرساني إلى المغرب ونسخ مدوّنته في الفقه .
الفصل الثّالث : العلاقة بين إباضيّة المغرب وإباضيّة عمان في القرن الثّالث هـجريّ / التّاسع ميلاديّ.
أقام المؤلّف لهذا الفصل مبحثين :
المبحث الأوّل: حول العلاقة بين إباضيّة المغرب بإمامة أفلح الرّستميّ وأئمّة عمان في المشرق وازدهارها بالحركيّة العلميّة الّتي شهدتها هذه الفترة والمتمثّلة خاصّة في استجلاب ديوان الإمام جابر بن زيد واستقراء كتاب أبي سفيان محبوب بن الرّحيل العماني للتّعرف على سير الإباضيّة بالمشرق وبما تمّ من لقاءات علميّة في بيت الله الحرام بين محمّد بن محبوب وعمروس بن فتح وبما تمّ من مراسلات بين الطّرفين. ثمّ تحدّث المؤلّف عن عمروس بن فتح وكتابه الدّينونة الصّافية وعن سيرة أهل المغرب بالإمام الصّلت بن مالك بعمان (237-273هـ/ 852/887م) وذكر رسالة أبي عيسى إبراهيم بن إسماعيل الخرساني وجماعة المسلمين إلى أهل المغرب في الدّعوة إلى التّآلف وإثبات أحقّيّة الإمام عبد الوهّاب وإبنه أفلح في قضيّة خلف بن السّمح ،داعية هذا الأخير إلى الرّجوع إلى الحقّ والامتثال لأمر الإمام وختم هذا المبحث بالإشارة إلى الأخبار الّتي ذكرها لوّاب بن سلاّم عن اتّصال أبيه بإباضيّة مصر وعن رحلته لأداء فريضة الحجّ.
المبحث الثّاني: العلاقة بين إباضيّة المغرب وإباضيّة عمان بعد وفاة الإمام أفلح وما شهدته هذه العلاقة من تدحرج نحو الانهيار وبما عرفته الإمامة من انحلال ثمّ سقوط وانتهاء . ويتبيّن في هذا الفصل أنّ أساس العلاقة كان علميّا بحتا وظلّ كل الأطراف يسدي النّصيحة للآخر للحفاظ على الأمن والسّلم والطّمأنينة.
اضطربت الأحوال في المغرب بعد هلاك الإمام أفلح واستئصال الشّيعة للإمامة الرّستميّة بتاهرت سنة (296هـ/908م) وإحراق مكتبتها المعصومة وعصفت الفتنة في المشرق بإمامة عمان، فانقسم العمانيون إلى فئتين:رستاقيّة ونزوانيّة ،جماعة تناصر الإمام الصّلت بن مالك وأخرى تناصر من عزلوه وعيّنوا مكانه راشد بن النّضر.
أدّى هذا الانقسام إلى تمكّن محمّد بن يور والي البحرين من قبل العبّاسيّين سنة 280 هـ / 893م من الإستلاء على عمان وحوّل عاصمتها إلى بهلا. ولإن استطاع أهل عمان أن يعودوا إلى إمامة الظّهور فيما بعد ،فقد استمرّ إباضيّة المغرب في الكتمان وقام نظام العزّابة مقام نظام الإمامة وعن طريقه تواصلت العلاقات بإباضيّة المشرق الّذين انحسر كيانهم بعمان.
الفصل الرّابع : العلاقة بين إباضيّة المغرب وإباضيّة عمان من القرن الرّابع إلى القرن السّابع هجريّ ـ/ من القرن 10 الى القرن 13ميلاديّ.
قدّم المؤلّف في هذا الفصل أخبار قرون أربعة وخصّص لكلّ قرن مبحثا.
المبحث الأوّل: خصّصه المؤلّف للحديث عن القرن الرّابع وعن اضطراب الأوضاع مشرقا ومغربا حيث قامت بالمغرب ثورتان: ثورة أبي يزيد مخلّد بن كيداد (336هـ/947م) وثورة أبي خزر بن زلتاف (358هـ/969م) اللّتان باءتا بالفشل وعرفت بلاد المشرق استبداد الجبابرة وتراجع الإمامة ورغم ذلك عرفت الفترة اتّصالات يغلب عليها الكتمان وانحصرت في قدوم ابن الجمع من المشرق تاجرا فنزل توزر وسجلماسة حيث اشتغل بالتّدريس وإرسال سبعين طالبا من المغرب للدّراسة على يد الشّيخ عبد الله بن محمّد بن بركة (362هـ/972م) صاحب كتاب الجامع في الفقه.
المبحث الثّاني : خصّص للقرن 5 هجريّ ـ/ 11ميلاديّ. قلّت الزّيارات في هذه الفترة لكن بقيت التّآليف ووفرة الكتب المشرقيّة بالمغرب أحسن رباط بين أهل المشرق وأهل المغرب. ورغم اضطراب الأحوال فإنّ اللّقاءات كانت تتمّ في الحرمين الشّريفين ومنها لقاء نصر بن سجميمان النّفوسيّ بأئمّة عمان في الحجّ والحديث عن مسائل كلاميّة دقيقة كخلق القرآن وقدمه واعتبار السّخط والرّضا من صفات الذّات أو من صفات الفعل لكن يبقى الأمر غامضا لعدم تحديد تاريخ اللّقاء ولعدم ذكر أئمّة عمان الّذين اجتمع بهم.
المبحث الثّالث :اهتمّ بالقرن 6 هـ /12 م ذلك القرن الّذي قلّت فيه الأخبار رغم ازدهار مدينة وارجلان بالمغرب، وأثبت المؤلّف اعتناء أبي يعقوب الوارجلاني بترتيب مسند الرّبيع بن حبيب عمدة الإباضيّة في الحديث حسب أبواب الفقه وبذلك تحوّل المسند إلى جامع صحيح. وذكر المؤلّف رحلة ابن خلفون إلى الحجّ واللّقاء بفقيه عمان ناجية بن ناجية العماني وتوبة ابن خلفون في لقاء له بالشّيخ يخلف بن يخلف النّفوسيّ التّمجاري العزّابي صاحب الطّبقات وهو في طريق الحجّ وتبنّي الإباضيّة منهج الفقه المقارن بعد أن كانوا يستنكفون منه إلّا القليل النّادر.
المبحث الرّابع : يعنى بالقرن 7 هـجريّ /13 ميلاديّ، هذا القرن الّذي شهد تأليف كتاب طبقات الدّرجيني الجامع لسير مشائخ الإباضيّة والّذي كان رمز التّعاون في شأن رغبة المشارقة في التّعرّف على أخبار المغاربة ، ويشير الدّكتور الجعبيري إلى سبب تأليف أبي العبّاس هذا الكتاب والمتمثّل في رغبة المشارقة في الاطّلاع على سير الأوائل ومناقب الأسلاف من أهل المغرب منذ وصول المذهب إليه جيلا بعد جيل ،ويختم المؤلّف الفصل الرّابع بإثبات أنّ العلاقة انحصرت في العطاء الفكريّ في نطاق المحافظة على دعائم أصول المذهب وفروعه ممّا يمكّن أتابعه من عدم الذّوبان.
الفصل الخامس : العلاقة بين إباضيّة المغرب وإباضيّة عمان من القرن 8 إلى القرن 11 هجريّ ـ / من القرن 14 الى القرن17 ميلاديّ.
خصّص المؤلّف لهذا الفصل الّذي سيعتني بالعلاقة بين المشارقة والمغاربة طيلة أربعة قرون من 8 هـ/ 14 م إلى 11 هـ /17 م ثلاثة مباحث :
المبحث الأوّل : العلاقة في القرن 8 هـ/14 م : اعتنى المؤلّف بأخبار رحلة شمس الدّين أبي عبد الله محمّد بن إبراهيم (إبن بطوطة) الّذي حلّ بعمان في 27 ذي القعدة 731 هـ/ 1 سبتمبر 1331 م وذكر غرائب ممّا لاحظه من أحداث أيّام جور حكم بني نبهان (549-1034هـ /1154-1624 م) من صراع على السّلطة بين بني نبهان أنفسهم من جهة وبينهم وبين بعض القبائل العمانيّة من جهة أخرى ، كما تعرّض في حديثه إلى نشاط أبي الفضل أبي القاسم بن إبراهيم البرّادي الدّمّري المتمثّل في إحصاء تآليف الإباضيّة بالمشرق وذكر اثنين وثلاثين عنوانا منها:
1-كتاب صفة أحداث عثمان بن عفّان.
2– كتاب فيه أخبار صفّيّين وأخبار أهل النّهروان وقتلهم.
3– كتاب سالم بن الحطيئة الهلاليّ (2 هـ/8م) في العقائد والنّقض والاحتجاج
4 – كتاب شبيب بن عطيّة العماني ،عن الشّكّاك والمرجئة ويسمى بسيرة شبيب بن عطيّة إلى عبد السّلام بن عبد القدّوس البصريّ .
5– كتاب المسند وهو حديث الرّبيع بن حبيب.
6– جامع الشّيخ أبي الحسن
7– كتاب الدّعائم لأحمد بن سليمان بن النّضر السّمائلي (ق5هـ/11م)
8– كتاب كشف الغمّة في إختلاف الأمّة.
المبحث الثّاني: العلاقة في القرنين9 و10 هجريّ /15و16 ميلاديّ.
يقف المؤلّف عند أخبار القرنين التّاسع والعاشر بذكر قصيدة محمّد بن عبد الله الأغبري العماني الّتي فصّل فيها أخبار أهل المغرب وتضمّ أربعة وثمانين بيتا أرسلها تحيّة إلى أهل المغرب في جربة وجبل نفوسة وورجلان ووادي مزاب ويذكر فيها بعض المواطن وبعض العلماء. ذكر المؤلّف مخمّسا في 22 صفحة لعبد الله بن عمر بن زياد بن أحمد البهلوي العماني في مائتين وإثنين وسبعين بيتا (272) لإخوانه من أهل المغرب يمدح فيه المذهب ويحرّض على الثّبات عليه وذلك بالتّذكير بتاريخه المجيد وبتعاون أئمّته على إرساء أسسه الجوهريّة الأصوليّة والفقهيّة على قواعد قرآنيّة وسنّيّة ثابتة .
المبحث الثّالث: العلاقة بين عمان والمغرب في القرن الحادي عشر هجريّ / السّابع عشر ميلاديّ.
يشتمل هذا المبحث على تهنئة المغاربة العمانيّين بتنصيب الإمام ناصر بن مرشد اليعربيّ (1034-1050هـ/1624-1640م) الّذي خلّص البلاد من جور النّباهنة وغيرهم وأرجع للإمامة مجدها. كما يشتمل على نصيحة عمر بن سعيد بن محمّد بن زكرياء الجربيّ الإباضيّ للإمام بلعرب للاعتناء بالتّعليم وإيلائه الاهتمام الأكبر بعد تنويهه بما رآه من ازدهار بعمان أثناء رحلته مستثنيا ظاهرة قلّة المدارس، ذاكرا وفرتها في جربة وبرامج التّدريس ومجالس العلم الّتي تعقد يوما الأحد والثّلاثاء خاتما رسالته للإمام بإخلاص نيّته وشكواه من فقد الإمام العادل بجربة وإن كان أهلها قدوة في التّمسّك بالعلم والتّعليم، فكانت النّصيحة سببا في انبعاث حركة علميّة رعاها الإمام بنفسه أثرت المدرسة الإباضيّة بعطاء زاخر.
الخاتمة :
ختم الدّكتور فرحات الجعبيري كتابه بالإشارة إلى اختيار الإباضيّة عند نشأتهم تسمية معبّرة عن الرّوح الّتي انطلقوا منها وهي "أهل الدّعوة" وممّا زادهم حركيّة في نشر دعوتهم تبنّيهم مبدأ الشّراء الّذي دفعهم إلى رفض الظّلم حيثما كانوا والبحث عن المواطن الّتي يمكن نشر مبادئهم فيها، لذلك انتشروا شرقا وغربا ونجحوا في بعث مقرّين أساسيّين لدعوتهم استطاعا مصارعة الزّوابع عبر الزّمن بعد انقراض مركز دعوتهم الأولى بالبصرة.
المقرّ الأوّل: بلاد عمان هي منطلق الدّعوة ومرجعها لأنّ إمام الإباضيّة جابر بن زيد عماني المنبت .
المقرّ الثّاني : بلاد المغرب : فقد ثابر شيوخ البصرة وأئمّتها على بعثه عن طريق حملة العلم واستطاع الإباضيّة مع الأمازيغ أن يقيموا لهم كيانا كاملا من الثّلث الأوّل للقرن الثّاني هـجريّ / الثّامن ميلاديّ وكان رهانا أصعب لبعد الدّيار.
وأشار المؤلّف إلى العلاقة السّياسيّة بين الطّرفين الّتي لم تتعدّ مرحلة التّشاور والتّناصح والمؤازرة للحفاظ على الإمامة لبعد الدّيار وإلى العلاقة الاقتصاديّة الّتي لا تذكر لغياب التّواصل المستمرّ ولبعد المسافة بين مقرّات الدّعوة.
أمّا عن العلاقة الفكريّة فلم تنقطع عبر الزّمان رغم بعد المسافة بين الطّرفين وقد بدأت قويّة في مرحلة النّشأة حيث ظلّ أهل المشرق يرعون أهل المغرب رعاية تامّة ويرجع أهل المغرب بالمشورة إلى أهل المشرق في الكبيرة والصّغيرة ولا يطمئنّ لهم بال حتّى ترد الرّسل أو الأجوبة من هناك .
أمّا القسم الثّاني للخاتمة فقد خصّصه الدّكتور فرحات الجعبيري للفهارس الّتي اشتملت على :
-فهرس الآيات القرآنيّة والأحاديث النّبويّة.
-فهرس الأعلام
-فهرس الأماكن
-فهرس القبائل والأمم والطّوائف
-فهرس المصادر والمراجع
-الخرائط
الملحق الأوّل : رسالة المغاربة لأهل عمان يهنّئونهم بتنصيب الإمام ناصر بن مرشد بن مالك اليعربي (1034-1050هـ/1624-1640م).
الملحق الثّاني : رسالة الشّيخ عمر بن سعيد الجربيّ المغربيّ ينصح الإمام بلعرب بن سلطان اليعربي العمانيّ (1091-1104هـ/1681-1693م) بحثّ الرّعيّة عل طلب العلم وتقويم المجالس وعمارة المدارس.
-الفهرس العام :
ولا يسعني في خاتمة التّعريف بهذا الكتاب القيّم إلّا أن أتوجّه بالثّناء على الدّكتور فرحات بن علي الجعبيري الّذي عرفته منذ سنوات حيث أعطى الكثير من مجهوداته للمكتبة العربيّة الإسلاميّة إحياءا للتّراث وتعريفا بتاريخنا المجيد، كما أتمنّى أن يكون تعريفي بهذا الكتاب مساهمة متواضعة منّي في إفادة المثقّفين عموما والباحثين خصوصا والمحبّين لجزيرة جربة بالأخصّ وفي حثّهم لشرائه والاطّلاع عليه وهو خير ما تزدان به رفوف المكتبات الخاصّة والعامّة على أمل أن يجود علينا الدّكتور فرحات الجعبيري بأبحاث طويلة المدى تمتدّ من القرن الحادي عشر هجريّ/17ميلاديّ إلى قيام دولة السّلطان قابوس سنة 1970م ودراسة العلاقة المتميّزة في الفترة المعاصرة بن سلطنة عمان والجمهوريّة التّونسيّة حسبما جاء في مقدّمة الكتاب.
وخير ما أنهي به مقالي هذا فقرة للمؤلّف الدّكتور فرحات الجعبيري على غلاف مؤخّرة الكتاب :" تلك هي ملامح الصّلات بين إباضيّة المغرب وإباضيّة عمان، أخوّة صادقة ولقاءات مباشرة في عمان أو في المغرب أو في الحجّ ومراسلات مستمرّة تحمل في طيّاتها آمال الأمّة وآلامها وكتب متبادلة على مرّ الزّمان تحمل عصارة أفكار فقهاء الأمّة ومدارس علميّة يتعانق فيها هذا مع ذاك وعمل دؤوب على السّعي إلى نشر العدل والأمن والسّلام".
بقلم سعيد بن يوسف الباروني
جربة في 18 شوال 1427
20 نوفمبر 2005
مقالات ذات علاقة
الذكاء الاصطناعي في خدمة التراث المخطوط
"الذكاء الاصطناعي في خدمة التراث المخطوط" أمسية ثقافية مميزة للتعريف بمشروعين رائدين يستخدمان قوة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي للحفاظ على تراثنا المخطوط وتعزيز الوصول إليه.
المزيد